وصفت منظمة الصحة العالمية السمنة لدى الأطفال بأنها “واحدة من أخطر التحديات الصحية في القرن الحادي والعشرين” ، ذلك أن معدل انتشار سمنة الأطفال يتسارع بشكل مقلق ، ففي الوقت الذي كان عدد الأطفال الذين يعانون من زيادة الوزن أو السمنة ٣٢ مليوناً في عام ١٩٩٠ م عالميا ، قفز هذا الرقم إلى ٤١ مليون طفل في عام ٢٠١٦ م ، وإذا ما استمر معدل الانتشار بنفس المنحى التصاعدي ؛ فإن هذا الرقم مرشح للارتفاع لـ ٧٠ مليون طفل حول العالم بحلول عام ٢٠٢٥ م.
ومن المعلوم أن للسمنة وزيادة الوزن ارتباط وثيق بزيادة احتمالية الإصابة بالأمراض المزمنة ، كالسكري ، وارتفاع صغط الدم ، ومتلازمة التمثيل الغذائي ، وغيرها من عوامل الخطر التي تؤدي بدورها لمضاعفات كثيرة، وخطيرة تهدد الصحة، وتقلل من جودة الحياة ؛ كأمراض القلب وتصلب الشرايين، الأمر الذي يجعل من التدخل للحد من هذه المشكلة أو منع حدوثها في عمر مبكر، على رأس قائمة أولويات الصحة الوقائية.
ولمحاولة فهم الازدياد المتسارع في حجم وباء السمنة وزيادة الوزن لدى الأطفال، يمكن الانطلاق من ادراك حقيقة أن هناك كثيرا من العوامل المساعدة لانتشار هذه المشكلة تحيط بالطفل في بيئته التي يعيش بها، و في مختلف مراحله العمرية ؛ فالطفل منذ أن كان جنينا ، وهو يواجه هذا الخطر ، حيث قد تؤدي إصابة الأم بسكري الحمل (أحد أشكال مرض السكري الذي يحدث أثناء الحمل) إلى زيادة الوزن عند الولادة ، والإصابة بالسمنة لاحقا.
ومنذ أعوامهم الأولى في الحياة ، يُستهدف الأطفال من قبل شركات الأطعمة ومصانعها بأطنان من الأغذية الغنية بالطاقة والأملاح والسكر المضاف، ذات المذاق اللذيذ ، والتغليف الجذاب ، على نحو يجعل من مقاومة تناولها أمرا بالغ الصعوبة، خصوصا مع انحسار البدائل الصحية الجذابة ، وضعف التسويق لها – إن وجدت – .
ومن وجه اخر ، قد تؤدي بعض الموروثات الثقافية، كالاعتقاد السائد بأن بدانة الطفل تعني تمتعه بصحة جيدة ، إلى تشجيع الأبناء والأمهات على إطعام أطفالهم بشكل مفرط ، فتتراكم الدهون ، وتنتفخ البطون ، وتتفاقم احتمالية الإصابة بالسمنة.
كما أننا اليوم -نعيش في عالم ” رقمي ” ، يتيح ممارسة اللعب ، والترفيه ، والمرح عبر الأجهزة والألعاب الالكترونية ؛ مما يقلل من فرص ممارسة الأطفال للأنشطة البدنية ، وانخراطهم في الألعاب الصحية الحركية ؛ فيصبحون أكثر عرضة لزيادة الوزن مع مرور الوقت.
وبتنوع العوامل المسببة لسمنة الأطفال وزيادة أوزانهم تتنوع استراتيجيات الحل لهذه المشكلة ، فالمسؤولية مشتركة بين الآباء ، والمربين ، وصناع الأغذية ، وواضعي التشريعات الصحية ، والمجتمع بأسره ، وكل منهم له دور يجب القيام به على نحو تكاملي ، إذا ما أردنا الحد من هذا الخطر الصحي ، وتخفيف آثاره.
ولعل ندرة البدائل الصحية الجذابة مذاقا وتسويقا ، تعد أحد أبرز التحديات التي ينبغي التغلب عليها ، وهنا يبرز دور صناع الأغذية، وتتضح مسؤوليتهم الاجتماعية ، في المساهمة بالحد من سمنة الأطفال ؛ عبر تقليل نسبة الدهون والسكر والملح في الأطعمة المصنعة ، والسعي لإيجاد خيارات صحية جذابة ذات قيمة غذائية عالية وأسعار معقولة ، مع ممارسة التسويق الواعي، والمسؤول لمنتجاتهم التي تستهدف الأطفال واليافعين.
ومع ضرورة العمل المكثف لإنتاج استراتيجيات وطنية لمكافحة سمنة الأطفال ذات رؤى واضحة ، وأهداف بعيدة المدى، إلا أن هناك ضرورة أكبر لإيجاد تشريعات صحية عاجلة ، ومبادرات استباقية مكثفة، عطفاً على المعدل المتسارع لانتشار وباء السمنة عند الأطفال.
وفي هذا الصدد ، لعله من المناسب أن ينُظر في استنساخ تجربة التغليف البسيط للسجائر؛ لتشمل الأطعمة المصنعة التي تستهدف الأطفال ، كالحلوى ، و الأيسكريم ، والتسالي ، وغيرها من الأغذية ذات القيمة الغذائية المنخفضة ، والسعرات الحرارية العالية ، مع وضع رسائل توعوية ابداعية للأطفال وذويهم ، تحذر من الإفراط في تناول هذه الأطعمة ، وترشد إلى بدائل صحية لها.
وفي الوقت الذي أصبحنا نشاهد فيه تزايدا مضطردا في إقامة المسابقات في ألعاب ” الفديو” ، والتحديات ” الإلكترونية”، فإنه يمكن للجهات الرائدة المعنية بتعزيز الصحة أن تدلو بدلوها هي أيضا ؛ بإقامة فعاليات تنافسية تستهدف الأطفال واليافعين ، تقوم على تسويق النشاط البدني وتعزيزه، كمسابقات الجري والمشي ، والألعاب الرياضية ، والمسابقات الحركية الجماعية ، التي تعود بالنفع على الأطفال ، بدنيا ونفسيا.
وغني عن القول ، ضرورة تقييم ما يقدم للأطفال في المقاصف المدرسية ، ووضع معايير و اشتراطات صحية واضحة و محددة لا يمكن تجاوزها تحت أي ظرف أو مسوغ ، مع تحفيز المشاركة المجتمعية في الرقابة على هذه المقاصف ، بتفعيل قنوات الاتصال مع الجهات التنفيذية ذات العلاقة ؛ للإبلاغ عن أي تجاوز لهذه المعايير والاشتراطات.
أما الأباء والأمهات ؛ فدورهم هو الأكبر ، ومسؤوليتهم هي الأعظم ، حيث يحتاج الأهل إلى تحديد ما يأكله أطفالهم بدءًا من سن مبكرة للغاية ، وذلك بتعويدهم على تناول مختلف أنواع الخضروات والفواكه والأطعمة الكاملة التي تنتجها الأرض ، والأكل المطبوخ في المنزل ؛ بدلاً من الأطعمة المصنعة المثقلة بالأملاح ، والسكر، والمواد المضافة ، والزيوت المهدرجة ؛ ذلك أن تقديم الأطعمة المصنعة للطفل في سن مبكرة ، يجعله ميالا لها، راغبا فيها ، ولا يستسيغ بدائلها الصحية .
ومن المهم ، أن يحرص الأباء والأمهات على الجلوس مع أطفالهم على مائدة الطعام ، وتبادل الحديث معهم، كما أنه وبالنظر لتوصية منظمة الصحة العالمية ، والتي تشير لأهمية أن يقضي الأطفال ثلاث ساعات من يومهم في نشاطات بدنية متنوعة ؛ فإن مشاركة الأباء والأمهات لأطفالهم هذه النشاطات ، سيجعل منها تجربة ممتعة لهم ، ذات طابع أسري آخاذ ، وذاكرة روحية لا تنسى.