مقالات الكتاب

أزمة اللغة بين العامية والفصيحة

ربما يكون جيل الإنترنت الجديد أكثر حاجة من أي وقت مضى لاستخدام اللغة العربية الفصيحة، ولا نقول الفصحى حتى لا نشقّ عليهم. الفصحى هي أعلى مستويات اللغة العربية؛ بينما الفصيحة هي اللغة الواضحة البسيطة الخالية من الأخطاء النحوية والإملائية، التي يمكن استخدامها في التواصل اليومي والإعلانات اليومية. هناك اتجاه جديد تبنّته بعض المؤسسات التجارية والشركات في الإعلانات التجارية وشبكات التواصل الاجتماعي، تستخدم فيه لهجة عامية أو لغة مكسرة؛ مثل تلك التي وردت إلي عبر البريد الإلكتروني لمنصة شهيرة تقول”ويكندك يبدأ من هنا. بتلقى أشياء تخلّي الويكند أحلى.” طبعاً الجميع يعرف المقصود بكلمة “ويكند” الأجنبية هذه التي أصبحت أيقونة التحضّر اللغوي لدى البعض من الشباب. لاحظوا هنا استخدام حرف الجر الباء في الكلمة “بتلقى”. أليس هذا الاستخدام موجوداً أيضاً في تغريدات تويتر أو x عندما يحاول صاحب الحساب كتابة سلسلة من التغريدات، أو ما يسمونها بالانجليزية ويكتبها بالعربية “ثريد” ويضع نفس حرف الجر قبل هذه الأفعال: بقول لكم، بتحتاج، بنزّل لكم” والقائمة تطول.
هذه ليست حرباً على استخدام العامية أو دعوة للسفسطة، أو استخدام اللغة الفصحى بطريقة فجّة، وإنما الهدف هو استخدام اللغة الفصيحة الدارجة، التي يفهمها الناس مع وجود شرط مهم؛ هو عدم وجود الأخطاء النحوية والإملائية، التي قد تتناقض مع ما يمكن أن يتعلّمه الشباب في مؤسساتهم التعليمية التي درسوا فيها اللغة العربية، التي تستحق منّا الاهتمام والتقدير، خاصة أن المملكة العربية السعودية هي مهد الحضارة العربية، وقبلة المسلمين التي نزل فيها كلام الله باللغة العربية على نبينا محمد- صلى الله عليه وسلم. من الأفضل أن ترتقي الشعارات الترويجية التي تخاطب الناس بذوقهم وتحسّن من ذائقتهم اللغوية، وليس العكس أو التخلّي عن الحدّ الأدنى من القبول اللغوي.
يمكن الوقوف عند بعض الشعارات المنتشرة وقراءتها لغوياً مثل شعار “روح السعودية” إذ لا يبدو أن كلمة “روح” عبارة عن اسم مضاف، أي ذلك الشيء الذي يسكن الجسد، بل هو فعل أمر بمعنى “اذهب” وهو المعنى المقصود في الترجمة الإنجليزية Visit Saudi الموجّه للسائح الأجنبي لأن هذا المصطلح بلهجته العامية كفعل أمر مباشر (روح تعني اذهب) يحمل إشكالاً لغوياً مربكاً محفوفاً بالالتباس والسبب بسيط هنا، وهو أن هذا الذكاء التسويقي لا يصمد أمام حقيقة أن كلمة “روح” بمعنى “اذهب” ليست من ألفاظ العامية السعودية في أصلها في جميع مناطق المملكة من شرقها إلى غربها وشمالها إلى جنوبها؛ وإنما تنتشر بالدرجة الأولى في اللهجة الشامية (السورية، اللبنانية، الفلسطينية، الأردنية)، أما في اللهجة السعودية فالكلمات المرادفة الأكثر شيوعاً هي: رح، امش، يلا. أي أن الشعار في لهجته العامية ابتعد كثيرًا عن العامية السعودية ذاتها، ولا يتناسب مع هوية السياحة السعودية، التي تهدف إلى عكس الثقافة المحلية والترويج لها. ليست المعضلة هنا بسيطة، بل مركّبة لأن المصطلح ابتعد عن اللغة الفصيحة، وفي الوقت نفسه ابتعد عن العامية السعودية.

khaledalawadh @

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *