مقالات الكتاب

المقناص.. هواية وتراث

يُعدّ المقناص واحدة من أعرق الهوايات، التي ارتبطت بالإنسان منذ مئات السنين، حيث لم يكن مجرد مطاردة لطريدة أو صيد لطير، بل ممارسة تحمل في طياتها مزيجًا من المهارة والصبر والشغف، ومع تطوّر الزمن، ظلّت هذه الهواية محافظة على مكانتها، لتصبح نشاطًا يجمع بين الأصالة والحداثة، ويجذب محبي الطبيعة ومريدي الصحاري الباحثين عن لحظة صفاء خارج ضجيج المدن.
وحينما تأتي إلى عزبة الصقار عبدالهادي عواد الفايدي، رئيس مركز الشعلان للصقور في محافظة أملج، تدرك أن المقناص ليس مجرد نشاط عابر، بل مدرسة قائمة بذاتها، هناك ترى شغف الصقار الحقيقي، واعتناءه بتفاصيل الطيور، وحرصه على نقل هذا الإرث لكل من يزوره؛ لذلك تجد المكان يعبّر عن عمق العلاقة بين الإنسان والصقر، وعن الجهد المبذول للحفاظ على هذا التراث بكل احترام واحترافية.
المقناص اليوم يُمثّل فنًا متكاملاً؛ يبدأ بفهم البيئة الصحراوية، والتعرّف على مسارات الطيور، وينتهي بلحظة نجاح لا يدرك قيمتها إلا من عاشها. إنه مساحة يختبر فيها الصقار أو القانص هدوء الصحراء واتساع أفقها، ويعيد فيها اكتشاف نفسه في كل رحلة.
ومع أن التطوّر التقني طال كثيرًا من مجالات الحياة، إلا أن المقناص بقي محتفظًا بروحه، فهو تراث يجمع الأجيال، يمارسه الصغار بشغف، ويحافظ عليه الكبار؛ باعتباره إرثًا ثقافيًا أصيلًا، كما أنه نشاط اجتماعي يُرسّخ قيم الرفقة والتعاون، ويصنع ذكريات تُحكى على ضوء شبة النار وتحت سماء تعانق النجوم.
ومن هنا، يمكن القول: إن المقناص ليس مجرد هواية ترفيهية، بل أسلوب حياة يستدعي حضور القلب والعقل، وسيظل ثابتًا في وجدان محبيه، ما دامت الصقور تلامس السماء، وما دامت النفوس تجد في الصحراء اتساعًا لا يُختصر، فهو هواية وعلَم وتراثٌ يستحق أن يُروى بكل فخر.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *