مقالات الكتاب

سلاماً.. كبار السن في سوريا

ما أصعب على الإنسان من رؤية امرأة مسنة تصرخ من شدة الوجع، وقد أصيبت بشلل نصفي أضر عضلة لسانها، وأخلّ في حركة توازنها، وليس إلى جانبها سوى أخت قد تقدمت هي الأخرى في العمر ووهن جسمها، وأخ يعاني من مشاكل صحية لا يستطيع أن يرعى أحداً، وهؤلاء جميعاً يعيشون في ظروف مادية صعبة؛ نتيجة الحروب والكوارث، التي ضربت بلادهم وأصابت الناس في مقتل.
تظهر بيانات المسح الديموغرافي في سورية، أنه نتيجة للحرب القاسية التي واجهت البلاد لمدة تزيد عن أربعة عشر عاماً، فقد ارتفعت نسبة كبار السن فيها، وانخفضت نسبة القوة العاملة الشابة التي استنزفت وكُتب عليها؛ إما الموت أو الهجرة، الأمر الذي فاقم من أزمة كبار السن، وجعلهم الحلقة الأضعف في المجتمع، يواجهون صعوبات الحياة دون سند أو معين، أو حتى كتف يتكئون عليه في شيخوختهم، والمحظوظ منهم من وجد رفيق درب يؤنسه في وحدته، فقد فقدوا بيوتهم وأولادهم وصوت الأحفاد الذي كان يغرد من حولهم، ولم تعد لديهم القدرة الجسدية على تلبية احتياجاتهم المعيشية والطبية والاجتماعية، وقد يدركهم الموت في ليلة ظلماء، وليس من أحد إلى جانبهم.
كبار السن هم معلمونا وأباؤنا وأهلونا، وهم الأحق في حسن صحابتنا. نرجوالله أن يتعافى الاقتصاد في سورية، وتتمكن الجهات المعنية فيها من حماية هذه الفئة العمرية من العجز والعوز، وتتوسع في بناء المراكز ً الخاصة لإقامة هؤلاء المسنين، الذين لا يملكون مأوى يسترهم، وتستحدث برامج في الجامعات؛ تهدف إلى تزويد الطلبة بالمهارات اللازمة للتعامل مع الاحتياجات المختلفة لكبار السن، تشجع الشباب على العمل التطوعي وخدمة المسنين، ويصبح هذا النشاط متطلباً لنجاح الطلبة في دراستهم الأكاديمية، تسهل إجراءات قبول المسنين في مراكز الرعاية الصحية، توفر لهم الخدمة المنزلية، والاحترافية في حال عدم قدرة الأهل على المساعدة، وتدعم المسنين ً في تغطية التكاليف المرتفعة للعلاج الطبيعي، وتزود المحتاجين منهم بعصي للمشي وكراس متحركة، وتشارك المسنين أحاديثهم اليومية وتدعوهم لحضور الأنشطة الثقافية، وتطلب استشارتهم حين يلزم الأمر، فلهم كما لغيرهم دور في بناء الأسرة وصيانة المجتمع.
نريد السلام لكبار السن في سورية، لا نريدهم أن يعانوا المرض ويشعروا بالخذلان، ولا أن يصابوا بالاكتئاب، ويتمنوا مفارقة الحياة، فهم الخير والبركة، وهم أهل الخبرة والمعرفة، وهم صمام الأمان. نريد أن يبرّهم الأبناء، ويحفظ كرامتهم أولياء الأمور، في مجتمع ينهض من جديد، وينشد التغيير من رب كريم، هو ولي التدبير.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *