لما شغر كرسي خلافة الشعر بعد وفاة أحمد شوقي أمير الشعراء في 14/10/1932 ميلادية، تقدّم الشاعر الكبير عزيز أباظة بين عشرات الشعراء العرب لإمارة الشعر. ولم يكسب المنصب أحد من المتنافسين إلى أيامنا هذه، وقد مضى 93 عامًا على شغور عرش الشعر. وقد امتاز عزيز بأنه خصص ديواناً من قصائده في رثاء زوجته. وذكر أنها في آخر حياتها طلبت منه أن تحج إلى بيت الله الكريم، ولكنه تلكّأ رغم قدرته على تحقيق ذلك الأمل لها، ولم يكن يعلم قرب أجلها. فندم أشد الندم وأنشأ قصيدة طويلة يتحسر فيها، عندما زار الحرم النبوي أنه لم يسارع بالاستجابة لطلبها. وقال:
وددتُ بعيني لو أجبت طِلابها
وكان يسيرًا أن يُجابَ طِلابها
وفي غمرة الحزن الذي أصابني بوفاة شريكة حياتي في 26/4/1447هـ في إحدى مستشفيات جدة، قال لي صديق: إن الكتابة تخفف من الأسى، وقال: إنه قد عرف شدة فقد الزوجة، وأنه كتب قصيدة في رثاء زوجته، ولكني لست بشاعر.
وقد وردت التعازي إليّ من المملكة، ومن حضرموت وشبوة وعدن، ومن مصر ومن الإمارات ومن ألمانيا وأستراليا وكندا. فلهم شكري وعرفاني على مواساتهم، وعلى دعواتهم لي ولها في مشارق الأرض ومغاربها. وقد رأيت زوجة جدها في المنام قبل بضعة أيام من الوفاة تسير في صالة المنزل، وتقول: با أستقبل مرومة محمّدة.
وفي مكة المكرمة لم تستطع سيدة لظروفها الصحية أن تأتي للعزاء، فأمرت حفيدها أن يعتمر هدية منها لروح الفقيدة. وفي ختام أيام العزاء دعا لي أحد المعارف بالقول: أعانكم الله وخفف عنكم المصاب، وجعل أجرها في ميزانكم، وطيفها يلاطفكم في كل وقت.
كنت أراها في المستشفى فأتوجع لوجعها وأناديها بكلمة يا شريكة حياتي. فقد كانت نعم الزوجة ونعم شريكة الحياة في الحلوة والمرة وفي السراء والضراء. وإذا طلب مني أحد معونة وليس معي ما أزوده بها قالت: حاول. وربما تصرّفت هي لكي تساعد طالب الحاجة. وهي بين النساء محبوبة عطوفة سبّاقة للخيرات مع مودة عفوية في أسارير وجهها تنم عن الحنان وعن حب الخير للناس. فكم من قائلة في التعزية هذي أمي بعد أمي.
أغمضت عينيها في الساعات الأخيرة ولكن شفتيها بدأت بالانفراج. وقد رآها الدكتور وهي ترفع سبابتها وتخفضها فنادى ابنتها: تعالي انظري لكي تتعزى وتفرح ودموعها تسيل. وبعد غسلها ظهرت ابتسامتها واضحة للعيان يعد ثناياها من يراها.. لكنني لما رأيت أخي وولدها وحفيدها طالعين من قبرها، وأخذ العمال يهيلون التراب عليها توقدت اللوعة كالجمرة في خاطري.
ولست أقول إلا ما يقوله الصابرون: إنا لله وإنا إليه راجعون.
شريكة الحياة
