يعد التدخين أحد أكثر عوامل الخطر على صحة الانسان انتشارا بين البشر، ذلك أن عدد المدخنين في العالم يقدر بما يقارب مليار شخص من البالغين. وعلى الرغم من أن معدل انتشار التدخين انخفض في بعض الدول ، إلا أن المعدل العالمي في زيادة بسبب النمو السكاني المضطرد، خصوصا في الدول النامية، والذي يدخن ٤٩٪ من رجالها ، و ١١ ٪ من نسائها.
ووفقا لأكثر التقديرات دقة، فإن المدخنين يفقدون عقدًا واحدًا على الأقل- عشرة سنوات- من العمر المتوقع، مقارنةً بأولئك الذين لم يدخنوا أبدًا ، كما أن الإقلاع عن التدخين قبل سن الأربعين يقلل من خطر الوفاة المرتبطة بالتدخين بحوالي ٩٠٪.
وفي حين يعتقد كثير من الناس بأن تدخين عدد قليل من السجائر آمن نسبيا، ولا يشكل خطرا يذكر للإصابة بأمراض القلب والشرايين التي يعد التدخين عاملا رئيسيا للإصابة منها، الا أن هذا الاعتقاد يمكن مجابهته بنتائج الدراسة الحديثة التي أجراها باحثون بريطانيون، بطريقة المراجعة المنهجية والتحليل البعدي (systematic review and meta-analysis )، والتي تعد على قمة هرم أنواع الدراسات من حيث جودة البراهين المستخلصة، حيث شملت هذه الدراسة تحليلا إحصائيا لنتائج ما يقارب ١٤١ دراسة حول العالم نشرت في الفترة ما بين عامي ١٩٤٦ و٢٠١٥ ، وخرجت هذه الدراسة باستنتاج موحد مبني على جمع تراكمي لنتائج هذه الدراسات جميعا ، مفاده بأنه لا يوجد مستوى آمن للتدخين، و أن تدخين سيجارة واحدة فقط في اليوم ، يشكل خطرا للإصابة بأمراض تصلب الشرايين والجلطات الدماغية يقدر بنصف الخطر الذي يسببه تدخين ٢٠ سيجارة يوميا.
إن أهمية هذه الدراسة تكمن في أن نتائجها تدل على أن المخاطر الصحية المترتبة على تدخين عدد قليل من السجائر- من سيجارة الى خمس سجائر يوميا – أكبر مما يدركه كثير من المدخنين، بل وحتى الممارسين الصحيين، كما أنها تشير إلى ضرورة الإقلاع التام عن تدخين التبغ بدلا من خفض كميات استخدامه إذا ما أراد المدخنون تجنب معظم مخاطر أمراض القلب والجلطات الدماغية.
وإذا ما أخذنا بعين الاعتبار نتائج الدراسة التي أجراها المعهد الأمريكي للسرطان وشملت ٢٩ الف أمريكيا، والتي أظهرت نتائجها أن الذين يدخنون بمعدل أقل من سيجارة واحدة يوميا -وهو معدل منخفض فيما يبدو- يزيد لديهم خطر الوفاة المبكرة بنسبة ٦٤٪ أكثر من الذين لا يدخنون أبدا ؛ فإنه يمكن القول ، وبمستوى عالٍ من الثقة ، بأن كلا طرفي الأمر ذميم ، وأن تدخين القليل من التبغ كتدخين كثيره ضار، الأمر الذي يشير إلى ضرورة التركيز على تحفيز المدخنين للإقلاع عن استخدام التبغ بشكل تام بدلا من الإقلال منه، على نحو يتسق مع العلاج السلوكي المعرفي المبني على البراهين، وباستخدام الخيارات الدوائية المعتبرة علميا.