لا تتحدث عن الجوع وأنت شَبع .. فكم من طفل جائع حول العالم يشتهى كسرة خبز كالتى تلقيها بالقمامة، وكم إنسان يشتهى من خيرات الدنيا ما تراه زهيد، شتان بين الجوع والشبع فالأول تماماً كوحشة الليل، أما الثانى يشبه إنطلاق النهار وحماسته!
لا تتحدث عن الحزن وأنت فَرح فالفرح قد يستمر لساعات وحتى أيام، لكنَ الحزن يبقى داخل صاحبه يمزق قلبه كل يوم، إن عمق الجراح لا يشعر بها إلا أصحابها ومن مروا بمواقف متشابهة، علامات الحزن أعمق من علامات الفرح، فهى ندبة داخل القلب لا تبرأ بسهولة،
فلا تسفه أو تتهاون بجرح أو شكوى أحدهم فأنت لست صاحب الجرح ولا تعلم كم الحروب التى خاضها ذلك الشخص حتى إنهار بالنهاية وكم قوة تحلى بها ليثبت أمام العالم بعد الكثير من الوحدة ولحظات الضعف لا تتحدث عن الفقد وانت مع والديك فلا يوجد على وجه الأرض أقسى وأبشع من ألم الفقد، إنه فقد جزء من الروح، رحيل طرف من طرفين قدموا لنا الحياة، سخروا كل جهدهم فى سبيل إسعادنا، ولم يدخروا جهداً لراحتنا، فقدان الأب موحش وفقدان الأم مرعب، فالأب هو السند بالحياة وصمام الأمان لقلوبنا، إنه قصة الحب الأولى فى حياة الفتيات، والبطل الأول فى حياة الشباب، رحيله يجعلنا كلما ذُكر أمامنا كلمة «أبى» لمعت عيوننا بالدمع على قسوة الحياة التى حرمتنا من ترديد تلك الكلمة، وكذلك الأم التى تفنى حياتها من أجل أبنائها إنها الأساس ومصدر سعادة الجميع، منزل بلا أم كجسد بلا روح، فلا تتحدث عن فقدان حبيب أو عزيز وأنت لم تمر بواحدة من أقسى مراحل الحياة وهى فقد أحد الوالدين!
لا تتحدث عن التسامح وأنت متعصب الشخص المتعصب ما هو إلا إنسان منافق، يتحدث عن التسامح وهو لا يسامح ولا يعفو! بسبب هؤلاء أصبحت العنصرية والكراهية والحروب ولون الدم أمر سائد فى أوطاننا، وبالرغم من كل ذلك يخرج علينا المنافقين ليتحدثون فى خطب عصماء خالية من الإحساس عن التسامح، وفى الخفاء يمارسون أبشع أنواع العنصرية والنبذ والكراهية، تلك الأفكار المسمومة التى أسفرت بالنهاية عن ظهور الإرهابى والمضطهد والعنصرى والمظلوم، وتحول الشخص المتسامح إلى شخص سلبى فى نظر المجتمع عاجز عن إسترداد حقه فى الحياة، تشعب التعصب حتى وصل مواقع التواصل الإجتماعى التى تحولت لمواقع تباعد إجتماعى نتنابز فيها بالألقاب ونعاير بعضنا البعض بالجنسيات واللون والدين إلا من رحم ربي.