كانت المغامرة جزءًا لا يتجزأ من شخصيتي، رحلة أسعى من خلالها إلى استكشاف المعنى الحقيقي للحياة، من أعلى قمة تطاول السحاب إلى أعمق نقطة يمكن للإنسان أن يبلغها في جوف الأرض. واليوم، وفي خضم فصل جديد من مغامراتي، أجد نفسي مشدودًا إلى واحدة من أروع التحديات في وطني الحبيب، المملكة العربية السعودية: عبور صحراء الربع الخالي. تلك الصحراء التي تخفي في أعماقها أسرارًا لم تُكتشف بعد، وتاريخًا يمتد إلى عصور غابرة، وطبيعة تجمع بين القسوة والجلال.
رحلتي إلى قمم القارات السبع كانت شهادة على العزم وعشق المغامرة. اجتزت أقسى الظروف، وتسلقّت أعلى القمم في العالم، ووصلت إلى أعمق نقطة في الأرض في فيتنام، وسرت فوق الجليد القارس في القطب الجنوبي حتى بلغت محور الأرض. واليوم، تعود الأنظار إلى وطني مجددًا، لأجد في صحرائه الشاسعة محطة جديدة لمغامراتي، حيث الربع الخالي يمتد بآفاقه الساحرة وأفقه اللامتناهي. هذه المغامرة تكمل رحلة سابقة سرت فيها على خطى الهجرة من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة.
للصحراء عشق خاص في قلوب أبناء المملكة، فهي وجهة محببة في أوقات الشتاء وأيام الطقس المعتدل. تبدو الصحراء في ظاهرها قاحلة، لكنها في جوهرها نابضة بالحياة والأسرار. تمتد الكثبان الرملية بلا نهاية، تتراقص تحت أشعة الشمس وكأنها أمواج ذهبية لا تهدأ. وفي هذا الصمت العميق، تتجلَّى روعة الطبيعة في أنقى صورها، حيث تلتقي السماء الصافية بالأرض الممتدة في لوحة بديعة لا مثيل لها.
تحكي الرمال عن قبائل عاشت هنا منذ آلاف السنين، متحدية قسوة الظروف، وتحتفظ ذراتها بحكايات القوافل التي عبرت تلالها المتغيرة. لكن الجمال الحقيقي يظهر في الليل، عندما تنبسط السماء كلوحة سريالية مرصعة بالنجوم المتلألئة، التي تتحول إلى دليل للتائه في أعماق الصحراء. وهنا يدرك المرء أن الجمال الأصيل يكمن في الأماكن الأكثر هدوءًا.
قد تبدو كلماتي غريبة للبعض، فقد يرى الناس في هذه الصحراء قسوةً وعزلةً وحرارةً لا تحتمل. لكنها بالنسبة لنا، عشاق المغامرة، تمثل عالماً من الجمال الخفي الذي لا يدركه إلا من عاش التجربة. نحن نرى فيما وراء الظاهر، ونغوص في أعماق الطبيعة لنكتشف ما أودعه الخالق من عظمة وإبداع.
هذا ما شعرت به حين وقفت على منحدرات أعلى الجبال، وسط بيئة تبدو لغيري قاسية وغير مضيافة. الصخور الحادة والهواء الرقيق الذي يصعب معه التنفس قد يوحيان بالخطر، لكنني وجدت في تلك الأماكن جمالاً عظيمًا وصمتًا يملأ الروح طمأنينة، ودرسًا عن الصبر والتواضع أمام عظمة الخالق.
أرى في الكثبان الرملية والقمم الشاهقة ألوانًا من الإبداع الإلهي، وأسمع في الصمت رسالة تدعو للتأمل والسكينة. أدعو الجميع إلى النظر بعمق يتجاوز ما تراه العيون، فهناك عوالم من الجمال تنتظر من يكتشفها، ومشاعر خفية تحتاج إلى قلب مفتوح وعين ترى بعين الروح.
مملكتنا تزخر بجمال طبيعي وتراث تاريخي عظيم ينتظر من يكتشفه. من كثبان الربع الخالي الذهبية إلى القمم الشاهقة وسواحل البحر الأحمر الآسرة، تمتلك بلادنا كنوزًا لا تقدر بثمن. إنها دعوة لكل أبناء الوطن وزواره إلى رحلة استكشاف لهذه الطبيعة الخلابة، والغوص في أعماقها لاكتشاف ما يتجاوز الظاهر.