مقالات الكتاب

اشترِ الآن وأدفع لاحقاً

الجملة الشهيرة التي أوقعت بالكثير ، في مصيدة الديون اللامنتهية ، والتي أشعلت حماس الاقتناء عند الناس إلى حدّ الهوس ، وعدم التفكير فيما إن كان هذا الاقتناء للحاجة، أم فقط من باب الرفاهية، والإحساس بالثراء، والقدرة على الإنفاق ، فبعدما كان الاقتراض في السابق، لايكون إلا في وقت العوز، لتوفير أشياء أساسية وملِحَّه لايمكن الاستغناء عنها أو تهّميشها ، أو من أجل سداد ايجار بيت ، وما إلى ذلك من الأمور التي تدخل في دائرة الأزمات، و في وقت يكون فيه الفرد غير قادر على توفير ذلك المال، لكثرت الالتزامات، وعجز مدخوله الشهري عن تغطية تلك النفقات والمصروفات الطارئة ، حينها كان الاقتراض صعباً، ويحتاج لوقت في البحث عن مقرض يبادله الثقة، ويطمئن بأنه سيكون في ظهره وقت الأزمات أيضاً، فأصبح أمر الاقتراض في غاية السهولة، وبرأيي أصبح دون أي شروط أو قيود ، فباستطاعتك أن تصبح مديوناً بضغطة زر ، ودون عناء مع إمكانية اختيارك للورطة وثمنها التي ستقسمها على دفعات طيلة الشهور القادمة ، مع إمكانية توصيلها إلى باب منزلك حتّى ، فالاقتراض، أو تقسيم المديونية، أصبح يحظى بالكثير من التسهيلات، وبدون الحاجة لوجود غريم، أو شروط استحقاق معقَّدة ، أو دراسة للحالة المادية، والقدرة الشرائية للمقترض، فتم تسّهيل جميع الشروط مقابل ضمان المقترض على سداده للمديونية مهما كانت الظروف، وفي حال الإخلال بتلك الشروط، وعدم الإلتزام بدفع في الفترة المحددة، يتم إلزام المقترض بدفع رسوم تحصيل إضافية محسوبة من تاريخ التقصير كشرط جزائي .

ومن الجانب المضيء، لاننكر بأن هذه السياسة، سهَّلت الكثير على أصحاب الدخل المحدود ، لتوفير المتطلبات الحياتية، وحل الأزمات قبل وقوعها ، وتقسيم المديونية على دفعات ميسَّرة ، دون أن تؤثر على مدخولهم الشهري ، أو قدرتهم على الإنفاق ، لكن تلك السياسة، في المقابل، أشعلت شراهة الشراء لدى الأفراد ، وعدم القناعة، والتطلب فوق الحاجة، مع عدم السعي في التملك دون اللجوء للديون ، وعدم المبالاة بأن اللحاف لن يوفي تغطية الأرجل إن مدت بأريحية تامة، فتجد الكثير من الشباب والشابات، وفي سن مبكِّر، وقعوا في هذه الدوامة من أجل الكماليات، و مظاهر الرفاهية، وما أن ينتهي دين، إلا وقد خاضوا في الآخر ، إلى أن ينتهي المطاف بمن ليس لديه منهم دخل شهري، أو ظيفة ثابتة، بطلب المساعدة من الآباء أو الآخرين للخلاص من تلك الورطة، نتيجة فشله في تدبر أموره المالية، والاعتماد على الآخرين في حل أزماته ، فالحل ليس متوقفاً على تعديل تلك السياسات فقط ، بل أيضاً على إعادة برمجة بعض العقول، وتحّكيم العقل ، ” و إن كنت على البير اصرف بتدبير”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *