متابعات

التنوع في الذكاء الاصطناعي: الدور الريادي لدول مجلس التعاون الخليجي في رسم ملامح المستقبل

يشهد العالم حاليًا تطوراً تقنيًا ملحوظًا، مما يؤثر بشكل كبير على الصناعات والاقتصاد والمجتمعات، إذ تساهم التقنيات المتطورة، وخاصة الذكاء الاصطناعي (AI)، في تسريع التقدم في مختلف البيئات. ويعتبر دمج تطبيقات الذكاء الاصطناعي قفزة نوعية لا يستهان بها في مجال التقنية، حيث يوفر مستقبلاً واعدًا في الإبداع والتنوع والابتكار.

في هذا السياق، نجحت مناطق ودول عدة، لاسيما دول مجلس التعاون الخليجي والقطاعات الخاصة فيها، في إحراز تقدمٍ لافت في مجال تبني الابتكار ودفع عجلة التطور، ويؤثّر ذلك بشكل كبير وبصورةٍ دائمة على التوسع الاقتصادي. وحرصت دول مجلس التعاون الخليجي، وخاصة المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، على وضع خطط وتدابير استباقية فعّالة في اعتماد الذكاء الاصطناعي، حيث تهدف المملكة إلى تعزيز استخدام هذه التقنية الناشئة، بحيث تصل مساهمة الذكاء الاصطناعي إلى 135.2 مليار دولار في اقتصاد المملكة بحلول العام 2030. كما أطلقت دولة الإمارات استراتيجية وطنية للذكاء الاصطناعي تسعى من خلالها إلى ترسيخ مكانتها كمركز رائدٍ عالميًا في تقنيات الذكاء الاصطناعي بحلول العام 2031.

وتلعب الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي (SDAIA)، الجهة المختصة في المملكة بالبيانات والذكاء الاصطناعي، دوراً محورياً في هذا المسعى، من خلال وضعها لـ “الاستراتيجية الوطنية للبيانات والذكاء الاصطناعي” الرامية لإرساء منظومة تعاونية متقدمة من شأنها تسريع تبني الذكاء الاصطناعي وتسويقه تجارياً عبر القطاعات المختلفة، حيث تركز هذه الاستراتيجية، التي تشكل جوهر عمل الهيئة، على البحوث المتعلقة بالذكاء الاصطناعي، إلى جانب تطوير الحلول المبتكرة وتوفير الدعم الاستشاري للحكومة حول استراتيجية الذكاء الاصطناعي فضلاً عن التوعية والتثقيف حول الذكاء الاصطناعي.

على هذا الصعيد، تشير التوقعات إلى أن الاستثمارات في الذكاء الاصطناعي والتحول الرقمي في دول مجلس التعاون الخليجي ستصل إلى قُرابة 15 مليار دولار بحلول العام 2025، بمساهماتٍ كبيرة من القطاعين الحكومي والخاص. وتمكنت تقنية الذكاء الاصطناعي، على مدى السنوات الماضية، من إحداث تغيير في الممارسات الصناعية التقليدية، فوفقًا لدراسات أجرتها شركة ماكينزي، قد تسهم هذه التقنية في تحقيق نمو إضافي بنحو 13 تريليون دولار في الاقتصاد العالمي بحلول العام 2030، مما يزيد الناتج المحلي الإجمالي العالمي بنحو 1.2% سنويًا.

من ناحية أخرى، تهيمن الشركات الرائدة في الولايات المتحدة الأمريكية على مجال الابتكار في الذكاء الاصطناعي في الوقت الحالي. حيث تم تطوير 61 نموذجًا رائدًا للذكاء الاصطناعي في الولايات المتحدة خلال العام 2023، مقارنة بـ 48 نموذجًا في المناطق الأخرى حول العالم، وهو ما يشكّل بدوره ظاهرة تُحدث تفاوتًا واضحًا في مستويات التقدم والنمو بين الدول، وتسلط الضوء على الغرب وإمكاناته في هذا المجال.

علاوة على ذلك، يؤدي هذا النهج المرتكز حول الغرب إلى تهميش الثقافات المختلفة وزيادة حالات عدم المساواة، إذ تعكس الخوارزميات المستخدمة تحيّزًا في تقنية الذكاء الاصطناعي، وقيم الجهات المطورة لها، وتحدث تأثيراتٍ ملحوظة على كافة الأصعدة، بدءًا من العمليات التجارية إلى المعايير المجتمعية. وفي ظل هذه التغيرات، عمدت “يونيفونك”، وهي منصة التواصل الرائدة في حلول تفاعل العملاء والبرمجيات كخدمة (SaaS) في منطقة الشرق الأوسط، والمعتمدة في خدماتها المتميزة على استخدام تقنية المحادثات المدعومة بالذكاء الاصطناعي، على دمج تقنيات الاتصال في عملياتها، وتمكنت بذلك من تطوير نماذج الذكاء الاصطناعي وفهم أهمية اعتماد حلولٍ تراعي التنوع العالمي وتدعمه.

وتسعى “يونيفونك” إلى تسخير إمكانات الذكاء الاصطناعي الواسعة بهدف تعزيز التفاهم والتعاون بين مختلف الدول، من خلال اعتماد أدوات الذكاء الاصطناعي التي تراعي الاختلافات الثقافية والاعتبارات الأخلاقية وتحترمها، إضافة إلى اختيار مطورين من دول وثقافات تختلف عن تلك الخاصة بالمستخدمين، فعلى مر السنوات، اعتمدت العديد من شركات الذكاء الاصطناعي البارزة على نماذج تم تطويرها في دول الغرب، ما تسبب في الحد من التنوع الثقافي في العالم وتفاقم الاختلافات وحالات التحيُّز المجتمعية. وتشير هذه الدراسات والنتائج إلى حاجة ملحة لاستبدال تقنيات الذكاء الاصطناعي المطورة في الولايات المتحدة فقط بأخرى من دول مختلفة.

في هذا الإطار، ونظرًا لأن الذكاء الاصطناعي يغير الاقتصادات في جميع أنحاء العالم، لابد من توزيع فوائده بشكل متساوٍ. من الضروري إذاً دعم شركات الذكاء الاصطناعي والتقنية الرائدة من مختلف المناطق الجغرافية من أجل ضمان نمو وابتكار متوازن، فعلى الرغم من أن الذكاء الاصطناعي له تأثير كبير على قيم ومعتقدات الإنسان، إلا أن الغالبية العظمى من سكان العالم لا يتم تمثيلهم بشكل كافٍ من خلال النماذج السائدة الحالية. وهذا يُبرِز الحاجة إلى نماذج ذكاء اصطناعي تحترم وتأخذ في الاعتبار التنوع القِيَمي الموجود حول العالم.

بالتوازي مع ذلك، تشهد دول مجلس التعاون الخليجي، لاسيما المناطق التي تقدم فيها “يونيفونك” خدماتها، زيادةً ملحوظة في الفرص التي تدفع عجلة ابتكارات الذكاء الاصطناعي على امتداد منطقة دول مجلس التعاون الخليجي. وتحظى المنطقة بمكانةٍ تتيح لها ريادة مسيرة تطوير البنية التحتية للذكاء الاصطناعي بفضل وفرة الطاقة النظيفة والموارد المالية الضخمة، حيث تحققت مساهمات كبيرة على مستوى سلسلة القيمة العالمية للذكاء الاصطناعي بفضل مجموعة من المشاريع التي جسدت التزام المنطقة بتسخير الذكاء الاصطناعي في سبيل تعزيز تطور التقنية وتنوُّع الاقتصاد.

وتستفيد المنطقة عمومًا من مصادر الطاقة النظيفة المتوفرة وميسورة التكلفة، وإمكاناتها المالية الضخمة التي تمكنها من الاستثمار في البنية التحتية للذكاء الاصطناعي ضمن قطاع الحوسبة، حيث تشهد تطوير نماذج ذكاء اصطناعي متقدمة، منها على سبيل المثال “فالكون Falcon” و”جيس Jais”، إلى جانب تسارُع وتيرة نمو صناعة البرمجة.

لا شك بأن الجهود الحكومية ساهمت في تسريع نمو الابتكار في مجال الذكاء الاصطناعي، فعبر الاستثمار في التعليم باستخدام الذكاء الاصطناعي، والبنية التحتية والأطر التنظيمية التي تدعم الاستخدام المسؤول للذكاء الاصطناعي، تتبنى دول المنطقة بيئة حيوية من شأنها استقطاب المواهب العالمية وتعزيز الابتكار المحلي. أما العامل الرئيسي الآخر فيكمن في تضافر الجهود مع الشركاء العالميين، إذ يسهم ذلك في توحيد ممارسات الذكاء الاصطناعي الأخلاقية وضمان الوصول العادل إلى تقنيات الذكاء الاصطناعي على مستوى العالم ككل.

من جانب آخر، أسهم تأسيس مركز جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي للميتافيرس MMC ومعهد النماذج التأسيسية IFM في تعزيز الموقع الريادي للمنطقة في مجال أبحاث الذكاء الاصطناعي التوليدي (GenAI) حيث يعد مركز MMC أولى المؤسسات العاملة في دولة الإمارات التي تم قبولها عضوًا مؤسسًا في تحالف الذكاء الاصطناعي، الذي يمثل شراكة بين 50 شركة ومركز أبحاث برئاسة شركة IBM لتأمين حرية وصول المستخدمين إلى الذكاء الاصطناعي ودعم ممارساته الأخلاقية على مستوى العالم.

وعلى نحو مماثل، استقطبت جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية KAUST ضمن القمة العالمية للذكاء الاصطناعي 2022، أطراف التعاون وصُنَّاع القرار العالميين وقادة القطاعات الصناعية والحكومية، والمبتكرين للتأكيد على التزامهم بتعزيز الابتكار في الذكاء الاصطناعي والقدرات البشرية داخل المملكة وخارجها.

بناءً على ذلك، فإن المشهد الراهن للذكاء الاصطناعي يضع على عاتق الشركات وقياداتها مسؤولية الدعوة إلى اتباع نهج عالمي شامل لتطوير الذكاء الاصطناعي. ويتوجب على دول العالم في الوقت ذاته أن تستغل الإمكانات التحوليَّة التي يتمتع بها الذكاء الاصطناعي من أجل معالجة التحديات العالمية وتعزيز الازدهار المستدام، دون إغفال العوامل الأساسية الأخرى المهمة، كالتنوع والنّزاهة والإبداع التشاركي.

وفي ضوء تزايُد الاعتماد على تقنيات الذكاء الاصطناعي، أصبحت أمام الشركات الآن فرصة كبيرة لاستخدام الذكاء الاصطناعي في تحفيز التغيير الإيجابي في المستقبل من ناحية، وتمكين المجتمعات المحلية ودعم العنصر البشري في جميع أنحاء العالم من ناحيةٍ أخرى.

بقلم أحمد حمدان، الرئيس التنفيذي والشريك المؤسس لشركة “يونيفونك”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *