جدة – ياسر خليل
باتت مواقف السيارات داخل الأحياء تشكل مصدر إزعاج للسكان، فكثيرًا ما تحدث الخلافات بين الجيران بسببها، فالبعض لا يقّدر الجيرة ويتعمد مضايقة الجار الذي يظل يبحث عن موقف لإيقاف سيارته رغم أحقيته، وقد يضطر هو الآخر إلى إيقافها بعيدًا عن موقع منزله.
يقول المختصون، إن هذه الإشكاليات للأسف بدأت تسجل في أقسام الشرط وقد يصل بعضها إلى المحاكم، داعين جميع سكان الأحياء إلى تعزيز روابط الجيرة واحترام أصحاب الحق تجنبًا للمشاكل الاجتماعية المترتبة.
بداية يقول استشاري الطب النفسي الدكتور محمد الحامد: للأسف يتعمد البعض أذية جاره بالوقوف في موقفه أو أمام منزله، وهذا الأمر يزيد تأزم الجار الذي يظل يبحث عن موقف له وقد لا يجد أو يضطر إلى إيقاف سيارته بطريقة خاطئة وفي موقع بعيد عن منزله.
وتابع: المشكلة الواقعية التي تحدث داخل الأحياء هي قلة المواقف وكثرة السيارات، فالأسرة الواحدة لديها على الأقل سيارتان إلى ثلاثة وهذا الأمر يصّعب من مشكلة الآخرين، فبالرغم من أحقية الفرد بموقف واحد وأمام منزله فإنه قد لا يحصل على هذا الموقف أيضاً، وهنا تبدأ المشاكل وقد تأخذ مسار الشكوى في الجهات الرسمية.
وأختتم د. الحامد حديثه بقوله: من وجهة نظري المتواضعة فإن الوعي واحترام الجار كفيلان بتجنب المشاكل المترتبة عن موضوع مواقف السيارات، فصاحب المنزل أحق بالموقف خارج عمارته، كما أن عمائر التمليك تخصص مواقف للسيارات لجميع ساكنيها، فالأولى مراعاة الأنظمة واحترام الجيرة وعدم مضايقة الآخرين، فالمشاكل التافهة للأسف يترتب عليها أبعاد اجتماعية كثيرة تتصدرها القطيعة، وقد نهانا الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم من أذية الجار، بل أوصى الجميع بالجار، إذ استمرت الوصية بالجار من جبريل عليه السلام لنبينا ـ صلى الله عليه وسلم ـ حتى ظن أنه سيورثه، وما ذاك إلا لعظم حق الجار، عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه).
وفي السياق يقول المستشار الاجتماعي طلال محمد الناشري: مواقف السيارات في الأحياء السكنية؛ أصبحت مصدر إزعاج للسكان، وأيضاً لمراكز الشرطة لفك المشاجرات بين سكان تلك الأحياء ، وتعود هذه المشكلة إلى عدم وجود دراسة مستقبلية تحدد الكثافة السكانية والاحتياجات من الخدمات العامة للأحياء السكنية، ومنها مواقف السيارات.
وأضاف: إذا نظرنا للزيادة العددية للسيارات بين الماضي والحاضر لوجدنا الارتفاع المهول في الوقت الحالي، فالأسرة المكونة من خمسة أو ستة أفراد تجد أن 90 % منهم يملكون سيارات، وبسبب تلك الكثافة لعدد السيارات يضطر قائدوها لإيقافها أمام منازل الجيران أو في الشوارع الرئيسية، وهذا يسبب ربكة مرورية داخل الحي، خصوصاً عند المساجد في أوقات الصلوات، فتتحول الشوارع حول المسجد إلى شبه مغلقة، مما يجعل صعوبة في التنقل فتحدث بعض الخلافات بين سكان الحي، ناهيك عند حصول أي مناسبة في منزل أحد سكان الحي، لا يجد ضيوفه مواقف لسياراتهم إلا أمام منازل الجيران.
ويقدم الناشري بعض المقترحات لعلاج هذه المشكلة التي لن تخف آثارها إلا بتعاون الجميع، متمثلة في: تعزيز التوعية؛ إذ يمكن توعية السكان بأهمية الالتزام بقوانين وضوابط وقوف السيارات في الحي وتوجيههم لمواقف مخصصة، إيجاد مواقف إضافية؛ إذ يمكن لأمانات المدن إنشاؤها في الأحياء السكنية، واتباع الطرق الحديثة لتلبية الطلب المتزايد على مساحات وقوف السيارات، وفرض رسوم على وقوف السيارات في بعض المناطق الحيوية، لتشجيع الناس على عدم ترك سياراتهم لفترات طويلة. ومن بين المقترحات التي ذكرها تنظيم الوقوف العشوائي بتوجيه السائقين لمواقف محددة، وتشديد الرقابة على الانتهاكات، والتعاون بين الأمانة والمرور لوضع قوانين وضوابط وقوف السيارات وتطبيق العقوبات على المخالفين، وتشجيع السكان على استخدام وسائل النقل العامة بدلاً من الاعتماد على السيارات الخاصة، مما يقلل من عدد السيارات المتوقفة في الأحياء السكنية، والتخطيط العمراني؛ عبر إعادة تخطيط المدن والأحياء، والأخذ في الاعتبار كثافة السكان واحتياجاتهم من الخدمات والمواقف والحدائق وغيرها، وإلزام أصحاب المباني السكنية بتنفيذ ذلك في مشاريعهم.
وتتفق الاخصائية الاجتماعية سهى العامر مع الآراء السابقة، قائلة: من المؤسف أن تحدث المشاكل بين الجيران بسبب مواقف السيارات، ويترتب على ذلك الكثير من المشاكل التي تصل الشرطة والمحكمة، فليس من حق أحد أن يؤذي جاره بل يجب أن تكون الروابط والمحبة بين الجيران قوية ولا تأخذ طبع الخصام والعناد والمشاكل. وأكدت سهى أن المشاكل الصغيرة تبدأ تكبر في غياب التفاهم والوعي، فالأولى أن يتفهم الجميع مثل هذه المشاكل ويسعون إلى إيجاد حلول للمساحات الضيقة داخل الأحياء.