خلال الأيام الماضية ،ضجّت وسائل الإعلام بالخبر الذي زفته الدكتورة روث جونسمان لطلاب كلية اينشتاين الأمريكية بتبرعها بمبلغ مليار دولار للكلية التى عاشت معظم حياتها تعمل فيها كأستاذة لطب الأطفال .
لم تكن الدكتوره روث تفكر فى أن تتبرع لكليتها بشىء، فضلًا عن أن يكون التبرع بهذا الحجم الهائل ،ولكن الذي حدث أن زوجها رجل الأعمال الذى رحل فى 2022 م عن 96 عاماً ،ترك لها حرية التصرف فى ثروته الضخمة، فلم تجد الدكتورة روث أفضل من أن تخصص لكلية أينشتين وقفاً بهذا المبلغ غير المسبوق فى تاريخ التبرع للجامعات.
وما إن أعلنت الدكتورة روث النبأ من جانبها، حتّى سارعت الكلية بالإعلان أن طلابها سوف يدرسون مجانًا بدءًا من أغسطس المقبل، وأن الطلاب الذين سدّدوا رسوم الدراسة عن الفصل الدراسى الحالى سوف يكون فى إمكانهم أن يستردوها، وأن مبلغًا بهذا الرقم سوف يجعل الكلية ليست فقط قادرة على اجتذاب الطلاب الراغبين فى دراسة الطب، ولكنه سيجعلها قادرة أيضًا على أن تجتذب الطلاب المتميزين فى كل مكان على مستوى العالم.
وكما نعلم جميعا فإن التعليم الجامعى فى أمريكا أهلى فى غالبيته، وهذه الكلية جزء منه، وهو تعليم لا يهدف إلى الربح، ولا هدف له سوى تقديم خدمة تعليمية جيدة للطلاب، وليس من الممكن أن يقوم بهذه المهمة إلا إذا جاءته تبرعات من نوع تبرعات كلية أينشتين وحجمها.
يرى الدكتور جون ألفرد، المحاضر بجامعة ستانفورد الأميركية، أن امتلاك الجامعات أو المدارس أوقافا خاصة بها ،يمكّنها من توفير أجور أفضل للمعلمين لتحفيزهم على الإبداع والعمل بشكل أفضل، وكذلك لدعم الطلبة في بعض الحالات بتقليل المصروفات عليهم، بالإضافة – وهو الأهم من وجهة نظره – إلى توجيه مزيد من الأموال للبحث العلمي والتكنولوجيا ، وصيانة المباني ،وتوفير الأجهزة الخاصة بها لتحسين جودة المستوى التعليمي المقدم للطلبة.
وأكد ألفرد أن أغلب الجامعات الغربية العريقة عملت – وما زالت – منذ قرون على دعم الوقف التعليمي، حتى تفوقت وأصبحت أغلبها المكون الرئيسي لأفضل 500 جامعة على مستوى العالم؛ وهكذا ضمنت الاستمرار والاستقرار المالي بشكل عملي وبمخاطر منخفضة جدًا.
وتضم الولايات المتحدة الأميركية أكبر عدد من الجامعات الوقفية في العالم ، ويغطي العائد من الأوقاف في مجال التعليم بها ، ما يقارب ثلث نفقات تشغيل الجامعة، وهو ما يعني متوسط أكثر من 1.1 مليار دولار لكل جامعة ، وفي المقابل فإننا نجد أن أغلب الجامعات في الوطن العربي تعتمد بشكل شبه كلي على الموازنات الحكومية، ويستند القليل منها على أوقاف بسيطة، وفي حال تواجد هذه ألاوقاف، فإنه لا تتوافر بيانات متاحة عن حجمها على وجه الدقة ، ولعلنا نشير هنا إلى توجه العديد من الجامعات السعوديه ، نحو استقطاب أموال المانحين لبرامجها التعليمية المختلفة ،ويأتي برنامج وقف جامعة الملك سعود بالرياض ،في مقدمة النماذج الوقفية الناجحه في الوطن العربي ، حيث يقدر حجم اوقافها بملايين الدولارات على شكل مجمعات صناعية وفنادق بمشاركة من القطاع الخاص وبعض الشخصيات العامة والدارسين القدامى.
وإننا إذ نأمل أن تحظى جامعاتنا بتبرعًآت سخية من نوعية تبرع الدكتورة روث جونسمان لكلية اينشتاين، فاننا نذكر بكثير من الاعتزاز، أن الوقف كان على مرّ العصور أكبر رافد للنهضة الحضارية التي عاشتها المجتمعات الإسلامية على مر العصور.
ولعلنا نذكر بكثير من التقدير والاحترام، الحاج محمد علي زينل -رحمه الله- الذي مهد الطريق بتبرعه السخي لتأسيس مدرسة الفلاح في مدينة جدة عام 1905م لتكون نواة للتعليم النظامي بالجزيرة العربية. وأسس لها فرعا آخر في مكة المكرمة ثم في البحرين وبومباي ودبي وحضرموت، غير أن هذه الفروع لم تستمر كما استمر فرعا مدرسة الفلاح في جدة ومكة المكرمة والتي كان لهما السبق -بعد حلقات الحرمين الشريفين- في تخريج جيل الرواد من العلماء والأدباء والمفكرين وكبار موظفي الدولة.