انفجر إطار سيارتي الأمامي الأيمن، قبل سنتين، خلال قيادتي في نفق الجامعة بجدة قبيل منتصف ليلة ليلاء، فمشيت بالسيارة شيئاً فشيئاً مع تشغيل الغمازتين خوفاً من السيارات المولَعة بالسرعة المتهورة، وما صدقت حتى وصلت بها إلى خطّ الخدمات. وهناك حيث وقف حمار الشيخ في العقبة،انتظرت عسى “سطحَة نقالة” تنتبه للمأزق الذي وقعت فيه. ولم يطل انتظاري بحمد الله، فبدأت أتفاوض على سعر تحميل سيارتي فوق النقالة وكأنها مريض مغمى عليه يدلف إلى مستشفى.
وكان بإمكان مالك النقالة أن يتحكم في أجرته في ذلك الوقت، لكنه كان ودوداً، وسرعان ما اتفقنا على سعر متهاود، وجرينا إلى محل عجلاتي في منتصف تلك الليلة، وكان موقعه قريباً من بيتي، وإذا به رغم تجاوز عقارب الساعة الواحدة ليلاً مفتوحاً،وهو كذلك كان كريماً معي.
مع أني قد رفعت أمام أهلي وذريتي قاعدة “دوام الاستعداد” خلال سنوات عديدة، إلا أني لم استعد للإطار المتورم، ويعبر عنه ب “التحبيل”، لعله انفجر حتى أتقيد بالقاعدة المكونة من كلمتين التي أدندن حولها كثيراً. ولعل بادرة خير قدمتها،أجارتني من انقلاب السيارة -لا سمح الله-.
نعم بادرة خير أذكرها، فقد خرجت ذات صباح قبل الحادثة المذكورة بمدة،لكي أشاهد طالباً مصرياً يسير مسرعاً إلى مدرسة ثانوية بعيدة نوعاً ما، فوقفت له وعرضت عليه أن أوصله، فلما ركب معي قلت له: الحصة الأولى بدأت، قال: صحيح. ثم أضاف معتذراً: (يا عم أنا سهرت اُمبارح كان عندي مباراة). فقلت له: خذ هاتين الكلمتين. قال: هات.
قلت:”دوام الإستعداد”. فكأن العبارة أعجبته، لأنه عندما ترجّل من السيارة، تكلم ليجبر بخاطري، لكنه تلعثم قليلا، ثم قال: “تمام… تمام..”، أقصد “دوام الاستدعاء”، فقلت له :مع السلامة “دوام الإستعداد”. فضحك، وأسرع ليلحق بقية الحصة الأولى.
أسلافنا قالوا :”عند الصباح يحمد القوم السُرى” إذ كانت القوافل تسير ليلاً، فإذا وصلت،شعر أصحابها بالرضا،أنهم حزموا أمرهم بالسير بدلاً من النوم. وتعجبني في هذا الباب أغنية تراثية تقول
سرى الليل يا نايم على البحر ما شي فايدة في منام الليل حل السرية
وقد غناها كثير من المطربين منهم حسن رمل وطلال مداح -رحمه الله-. وقد تساءلت مع بعض الأصدقاء عن قائل هذه القصيدة،فلم أعثر عليه، فمن كان من أهل الفن،وعنده علم بالقائل،فليكتب إلى الجريدة بقصتها.
أكتب هذا كأول مقال لي في “البلاد” بعد انقطاع عنها مدة 40 سنة حين كان رئيس تحريرها الأستاذ عبد المجيد شبكشي-رحمه الله-،ولأنه أول مقال، فقد كتبته وأمام ناظري ستة ملايين مليون طالب وطالبة يتجهزون لامتحانات نصف العام فأقول لهم: “دوام الاستعداد” أو على قول الطالب المصري: “دوام الاستدعاء”.
ولعل في القرآن الكريم أصلاً لعبارة “دوام الإستعــــــداد”: “خــــــــــــــذوا ما آتيناكم بقوة”.