يرى علماء المنهج وطرق التدريس أن هناك منهجاً خفياً يصاحب أي منهج ظاهر يتفاعل معه أي طالب في أي مدرسة. هذا النوع من المنهج يكاد يختفي في الظروف العادية لكنه يطلّ برأسه القبيحة في الظروف غير العادية أو لنقل في الأزمات ويصبح هو الحقيقة العارية أمام الجميع. يمكنك أن ترى هذا النوع من المنهج رأي العين في الأيام التي تسبق الاختبارات النهائية أو في ملعب المدرسة أو في ردهاتها وممراتها ومقصفها واللحظات التي يغيب فيها المعلم عن طلاّبه وربما أحيانا في حضوره. مشكلة هذا النوع من المنهج أنه يمكن أن يكون ضاراً جداً فهو غير مخطط له وينفلت من المنهج الرسمي المعدّ مسبقاً وأهدافه آنية طارئة تظهر حسب السياق الذي يمر فيه الطالب.
بنفس الطريقة، لكن هذه المرة في الإعلام، جاءت أحداث الحرب البربرية التي يشنها العدو الصهيوني على غزّة ، لتكشف لنا أن هناك منهجاّ خفياً يتوارى، في الظروف العادية، خلف الكلمات التي نقرأها في الجرائد الغربية أو المؤتمرات الصحفية التي يعقدها دهاقنة الحرب، لكنه في ظروف الأزمات الأخلاقية يظهر على السطح دون مواربة أو ديكورات لغوية فيظهر كحقيقة عارية تبدو صادمة لأولئك الذين فاتهم قراءتها بين السطور في الظروف العادية.
ولعل التصريحات المتطرّفة التي صدرت من وزير في الحكومة الصهيونية وأنكرتها حكومتنا الرشيدة بشأن إلقاء قنبلة نووية على قطاع غزة المحاصر، تكشف عن الحقيقة العارية التي نتحدث عنها فتظهر أمام الناس دون رتوش أو محسّنات بديعية تخفي الكراهية والحقد الدفين الذي يحمله كل صهيوني ضدّ العرب والمسلمين. يقول البيان السعودي أن هذا التصريح “يظهر تغلغل التطرُّف والوحشية لدى أعضاء الحكومة الإسرائيلية”. وكان قبلها وزير الدفاع الصهيويني قد صرّح بأن العرب هم مجموعة من الحيوانات البشرية، وما كان يمكن أن يتفوّه بهذا النوع من الكراهية في الظروف العادية، لكن الهجوم المفاجئ الذي شنّه الفلسطينيون في السابع من أكتوبر، قد أصابه في مقتل وأظهر إلى السطح ما كان خفياً في الظروف العادية.
أما الصحافة وشبكات التلفزة والتواصل الإعلامي في الغرب، وخاصة البريطانية والأمريكية، فمتابعتها هذه الأيام تصيب القارئ والمشاهد بالغثيان لأن حقيقة اتجاههم نحونا، نحن العرب والمسلمون، أصبحت عارية تماماً فهم يركّزون على هجوم السابع من أكتوبر كحدث معزول عن سياقه التاريخي المتمثّل بالاحتلال الذي يمتد إلى 75 سنة وكأن الفلسطينيين ظهروا فجأة يوم السابع من أكتوبر فقط وليسوا مقاومين لاحتلال عنصري بغيض. ذهبت كل اسطوانات حقوق الإنسان والطفل (ومعها قرارات الأمم المتحدة) إلى الجحيم ، وظهرت كل أنواع الغطرسة والتكبّر والكذب التي كانت قبل هذه الأزمة حبيسة الأدراج.
تضيق مساحة هذا المقال لسرد الحقائق العارية الكثيرة التي كشفتها أحداث غزة المليئة بالدروس والعبر لكل من أراد الاستفادة منها في قراءة الواقع الصهيوني الغربي الذي لا يبدو أنه متصالح مع أي فكرة عربية أو إسلامية.
khaledalawadh@