درجات الحرارة مرتفعة ، والرطوبة خانقة ،والزحام المروري على أشدّه في شوارع جدة،ولكن رغم هذه الأجواء غير المواتية للخروج من المنازل والمكاتب مكيّفة الهواء، أو مواقع العمل الأخرى، لا شيء يحول دون خروج عدد كبير من الآباء والأمهات والسائقين أو يمنعهم من توصيل أبنائهم وبناتهم إلى المدارس وإعادتهم منها مرة أخرى في نهاية اليوم الدراسي.
لهذا اخترت في مقالي هذا الكتابة، لاعن تطوير الذات،أو ثمرات بعض الكتب التي قرأتها،وإنما عن موضوع خفيف بعيداً تلك المواضيع، يتعلق بما يعانيه الآباء عند توصيل أبنائهم من وإلى المدارس،
حيث كان توصيل الأبناء من وإلى المدارس بشكل يومي ، هو مهمتي سابقاً وذلك قبل أن أُوكل هذه المهمة لأحد السائقين .
لاحظت أنه كلما عاد أحد الآباء (يعمل موظفاً لدينا) من توصيل الأبناء بعد ظهر كل يوم، يفقد 80 % من جهده بسبب حرارة الجو والزحام الشديد حول المدارس حتّى أن نسبة إنتاجيته في المكتب ، تدنّت بشكل لافت، و في كل مرة كنت أسأله فيها عن أسباب فتوره وتعبه الظاهريْن على محيّاه، كان يقول لي:(أحمد ربك أنت لا تعاني مثلنا)!
ولفهم ما يمرّ به،قررت ذات يوم ،أن أرافقه في مشوار توصيل أبنائه من المدارس إلى المنزل ظهراً ، كانت حرارة الشمس اللاهبة ،أكثر مايواجهه قبل الوصول إلى المدرسة، الأمر الذي جعلني أتعاطف مع كل أب يذهب بأبنائه إلى المدارس بشكل يومي.
المشكلة ليست هنا فهذا أمر طبيعي،وإنما المشكلة تبدأ عند الوصول إلى المدرسة وسط درجات حرارة مرتفعة ورطوبة خانقة وزحام في الشارع.
لقد صادفنا تكدّس رهيب وفوضى عجيبة أمام بوابة المدرسة ،وفي حالة يمكن وصفها بأن الداخل إليها مفقود والخارج منها مولود ، فهنا سيارات تسير عكس الإتجاه، وهناك سائقون يقفون في منتصف الشارع بانتظار خروج الطلاب،وسيارات قد تشابكت حتى وصلت مرحلة التوقف التام، وأبواق السيارات تعلو في كل مكان ،فضلاً عن صراخ السائقين، والمصيبة أنه لا أحد يستجيب أو يتنازل ، أو يفسح المجال لغيره حتّى يمرّ.
ببساطة شديدة ،هي بيئة خصبة لفقدان الأعصاب، ويُحار معها المرء في فهم ما يجري ويقع أمامه وكيف وصل الحال إلى ما هو عليه الآن! وممّا زاد الطين بِلّة ،أن بعض هذه المدارس، والمدرسة التي ذهبنا إليها، تقع وسط الأحياء السكنية ،وفي شوارع ضيّقة، و-أحياناً- ضمن مجمّعات مدرسية أخرى، مايفاقم المشكلة.
كنت أتساءل : كيف يصل الناس إلى هذه الدرجة من الفوضى وعدم الإنضباط؟
أنا لا أنحى باللائمة كلها على السائقين ، لأنه لا يوجد في الأساس مواقف للسيارات أمام تلك المدارس، بل شوارع ضيّقة، فلك أن تتخيل -عزيزي القارئ -ماالذي سوف يحدث إذا ما سارت السيارات عكس الإتجاه؟
وأمام هذه الفوضى،كنت أتساءل أيضاً : لماذا لا يتواجد أفراد من رجال المرور وبأيديهم أجهزة رصد المخالفات حتى يرتدع السائقون بدلاً من هذه الفوضى؟
وهل الإنضباط لا يتم إلا بوجود رجال الأمن؟ لماذا لا يكون لدينا إنضباط ذاتي؟
لماذا لا تقوم المدارس أُسوة بما هو موجود في مدارس الغرب، بتوظيف من يقوم بتنظيم المرور أمامها،خصوصاً وأن العملية كلها لاتعدو ساعة في الصباح وساعة عند الظهيرة؟
إن الضغط الذي يتعرض له الآباء والسائقون والأمهات ،ينتج عنه هدر كبير للطاقة ،والدراسات التي ربطت الصحة العقلية للإنسان ،وعلاقاتها بالزحام المروري كثيرة لايتسع المجال لذكرها جميعاً،
إلا أن من أبرزها،هو التأثير على مدى قوة التركيز والعمل، مايؤدي إلى قلّة الإنتاجية واتخاذ بعض القرارات الخاطئة.
وتأسيساً عليه ،فإن المأمول وضع حلول تضمن عدم خروج الطلاب فى توقيت واحد ،حتى لايؤي ذلك إلى التكدّس والزحام على أبواب المدارس ،وتكدّس وزحام السيارات وحافلات النقل المدرسي في الشوارع والطرقات.
والمأمول أن يشارك المرور فى تنّظيم ذهاب الطلاب إلى مدارسهم بعيداً عن التكدّس والزحام وعودتهم منها بشكل آمن.
jebadr@