تأخرت ذات ليلة في سهرة عند قوم.خرجت قبل الثانية عشرة ليلاً وفي طريقي مررت بسوبر ماركت من اسمه تعرف أن صاحبه أصله حضرمي.أخذت ما أحتاجه وتوجهت للمحاسبة.
أردت الاستفسار عن شيءٍ ما ، فأشير عليَّ بالتوجه إلى رجل كان يجلس على مكتب بسيط في ناحية من السوق.
ذهبت إليه وخلال الحديث طلبت منه أن يوصل ملاحظتي للسيد فلان الذي يحمل السوق اسمه.
قال لي: أنا فلان.
حقيقة تملكتني الدهشة فالساعة الآن تقارب 12 ليلاً وصاحب السوق على رأس تجارته يتابعها ويغلق الباب ليلاً.
قلت في نفسي: هذا واحد من أهم أسباب تفوقهم في التجارة. يكسرون أرجلهم عند تجارتهم.
عُرف عن الحضارم أنهم إذا قصدوا بلداً ، فإنهم يستقرون في المواني حيث منفذ استيراد البضائع وتصديرها ، وذلك يقلّل عليهم التكلفة ويجعلهم مصدراً لتسويق البضائع على التجار البعيدين عن المواني وشيئاً فشيئا يصبحون وكلاء للماركات والعلامات التجارية.
تعاملت مع عدد منهم فلاحظت أن أحدهم يأخذ ربحاً قليلاً ويبيع كميات أكبر، وهذا يعزّز مبدأ تصريف البضاعة وهو ما يطمح إليه مانحو التراخيص العالمية للوكلاء المحليين في الدول الأخرى، وهو ما جعل الحضارم يمتلكون زمام عديد من الوكالات التجارية.
يقال إن الحضارم هم أول من ابتكر مبدأ إعادة الهلل(باقي عملية الشراء) بالعلك والمنديل ونحوها وهو أسلوب فريد للتخلص من إعادة ما تبقى من المال وجعلهم يسوقون بضاعتهم تحت ذريعة لا يوجد هلل لديهم.
الحضارم منذ نشرهم الاسلام في إندونيسيا اشتهروا بالصدق والأمانة وعدم الغش أو الكذب.
أما مقولة: “تكسر رجلك عند شغلك أو تجارتك” فالأرجح أن أصحابها هم القصمان وتحديداً أهل بريدة.
عُرِفَ عن الحضارم أنهم لا يدَعُونَ أحداً منهم ينكسر ، وإن أصابت واحداً منهم مصيبة وخسر ، فإنهم لا يتركونه، بل يجمعون له المال ويعطونه إياه قرضاً وسلفاً بلا فائدة على أن يعيده إليهم بعد أن تتحسن أوضاعه ويقف على قدميه من جديد. وإن لم يكن عنده مال ،أعطوه بضاعة ليبيعها ويستعيد عافيته.
هناك عبارة مشهور وصادقة وهي أن البيع والشراء جزء من جينات الحضارم.
من عادات الحضارم المشهورة عنهم الاقتصاد والحرص على عدم تبديد المال، والميل إلى استعارة ما تكون الحاجة إليه نادرة أو قليلة لأن شراءه يدخل في إهدار المال.
يقال إن الحضارم كانوا أول من سبق لعمل محلات لتأجير المعدات، وهي مهنة تنطلق من فكرة استغلال غلاء المعدات الثقيلة والاستفادة من تأجيرها الذي يدر ربحاً.
الحضارم يركزون على البضائع التي يحتاج إليها السواد الأعظم من الناس، مثل المواد الغذائية، مواد البناء، قطع غيار السيارات وغيرها، وبعبارة أخرى
يحرصون على الاتجار بما يعدُ عصبَ الحياة.. وهم يؤمنون بالمصاهرات التجارية ويحرصون عليها، وهذه تزيد مستوى الشركة وتجعلها أكثر قوة وصلابة بين الأجيال.
يتبع ..