الرياض – البلاد
قال المدير المفوض والشريك في مجموعة بوسطن كونسلتينج جروب، شعيب يوسف، أن عالمنا شهد خلال السنوات القليلة الماضية تحولاً استثنائياً في مجال الاتصال، حيث باتت المجتمعات أكثر اتصالاً من أي عصر آخر في تاريخ البشرية.
وساهمت الشركات المزودة لخدمات الاتصالات في تحقيق هذا الإنجاز الثوري على نحو حيوي وفعال، نظراً لدورها الريادي في توفير الخدمات التي أدت إلى تطوير نماذج الأعمال والتعليم الجديدة، والتي تعتبر وقود التقدم الذي نستشرفه مستقبلاً. وفي إطار موازٍ، نجحت هذه الشركات في تحفيز الجهود التعاونية، وكسر مشاعر العزلة التي شهدتها المجتمعات خلال الظروف الاستثنائية العالمية قبل سنوات قليلة.
واستحدثت هذه المؤسسات مجموعة من الإمكانات والفرص، بالإضافة إلى مشاركتها في تعزيز إيرادات منظومة التحول الرقمي. وفي إطار هذا المشهد المتفائل، يتبادر إلى أذهاننا السؤال التالي: ما هو واقع الشركات المزودة لخدمات الاتصالات وما مدى قدرتها على الاستثمار في الفرص الهائلة على مستوى القطاع؟
وحقق المستثمرون في قطاع الاتصالات إيرادات متميزة بفضل خصائصه التي شابهت خصائص قطاع المرافق عام 2022، والذي اعتبر أحد أسوأ الأعوام في أسواق الأسهم منذ عام 2008. وعكست أسعار أسهم شركات الاتصالات، معدلات الإيرادات الثابتة والناتجة عن الخدمات الأساسية التي يقدمها القطاع، وذلك على الرغم من الاضطرابات التي شهدتها الأسواق المالية بسبب تنامي التضخم وارتفاع أسعار الفائدة واتساع رقعة المخاطر الجيوسياسية.
ووفقاً لتحليلات مجموعة بوسطن كونسلتينج جروب لإجمالي عائد المساهمين خلال الفترة الممتدة بين عامي 2019 وحتى 2022، حققت شركات الاتصالات أداء متوسطاً بلغ 9٪ على مستوى العوائد السنوية – أي أقل بنقطة واحدة من سوق الأسهم الإجمالية. وتحتل شركة الإمارات للاتصالات، المرتبة الثانية بين أفضل خمس مزودين عالميين من حيث إجمالي عائد المساهمين لمدة خمس سنوات، بينما يبلغ متوسط إجمالي عائد المساهمين TSR السنوي 10٪. وساهمت العديد من العوامل في تحقيق هذا الإنجاز، وأهمها: مجموعة متميزة من المنتجات والخدمات، بما في ذلك تطبيقات الجيل الخامس 5G والتطبيقات المخصصة للمؤسسات B2B والتطبيقات المخصصة للعملاء B2C، وتوفير الدعم من المستوى التالي للعملاء، بناء على محفظة متطورة من المنتجات والخدمات بأسعار تنافسية، والاستثمارات المستمرة في شبكة الجيل الخامس 5G والشبكة اللاسلكية الثابتة والألياف البصرية، وغيرها من التحسينات والحلول المتقدمة. ورغم أهمية الطرق التقليدية المعتادة، إلا أنها لن تكون كافية لتحقيق نتائج استثنائية مستقبلاً.
وتم تحديد خمسة مسارات استراتيجية، يمكن اعتمادها من قبل شركات الاتصالات لتعزيز مستويات القيمة، تزامناً مع الاتجاهات الحديثة على مستوى القطاع، مثل التشجيع على تبني تطبيقات الأعمال B2B المدعومة بتقنية الجيل الخامس 5G، والفوائد المحتملة لتبني نهج الفصل الهيكلي في شركات الاتصالات، والانتشار واسع النطاق لشبكة Web3 مستقبلاً.
وتظهر الدراسات التي ركزت على أهم صُنّاع القيمة عبر قطاع الاتصالات خلال السنوات الخمس الماضية، مجموعة من الإنجازات التي استطاعت الشركات تحقيقها عبر الالتزام بالمسارات التالية التي تمثلت في تحسين عوامل التمكين التحويلية: تحتاج شركات الاتصالات إلى اتباع إجراءات فائقة ودقيقة للحوكمة، بما في ذلك اعتماد نهج الإدارة المركزية على أوسع نطاق، منعاً لإهدار الموارد وتعزيز التفاعل المتبادل بين مختلف العمليات، بالتزامن مع استهداف منتجات جديدة وأسواق جغرافية أكثر اتساعاً. ويعتبر هذا المساق أساسياً لتمكين المسارات الاستراتيجية الأربع الأخرى.
وتوسيع الخدمات الأساسية اعتماداً على التكنولوجيا: يمكن توصيف هذا المسار بضرورة النمو خارج المحفظة التقليدية التي اعتادت شركات الاتصالات على توفيرها: يمكن تحسين عمليات الشبكات وتقديم خدمات أفضل وتجارب أكثر تطوراً، بفضل الأدوات الرقمية الناشئة مثل الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي (ML). وصارت تجارب العملاء المتسقة عبر نقاط الاتصال ممكنة، بفضل القدرة على إدارة بيانات العملاء ودمجها على النحو الأمثل، ما يؤدي بالتالي إلى تعزيز القدرة على تطوير حملات أكثر تكاملاً لتحقيق الأهداف المرجوة بشكل أكثر دقة، بناء على مجموعة من الأفكار الجديدة والمتميزة. وتشمل هذه الأفكار، ميزة التقسيط لتحفيز العملاء على اقتناء
الهواتف الذكية بدلاً من الهواتف العادية، والتحول من باقات الدفع المسبق إلى باقات الدفع الآجل، وتركيب وصلات الألياف الضوئية في منازلهم.
و الاعتماد على التكنولوجيات الحيوية (بيونيك) كركائز أساسية للأعمال: تساهم الاستثمارات في مجالات الأتمتة والتعلم الآلي على تعزيز ثقافة التحسين المستمر، سواء على مستويات الأعمال ذات الصلة بإدارة الشبكة أو خدمة العملاء. وتقدم شركة الاتصالات السعودية STC مثالاً مميزاً على الإمكانات الهائلة التي تتمتع بها شركات الاتصالات لتوفير خدمات الاتصال للمؤسسات B2B وحلول تكنولوجيا إنترنت الأشياء (IoT). ويرجع ذلك جزئياً إلى أداء شركة STC Solutions التابعة لها، حيث تحتل شركة الاتصالات السعودية المرتبة الرابعة بين مزودي خدمات الاتصالات في المملكة، بفضل نمو المبيعات وارتفاع متوسط إجمالي عائد المساهمين TSR السنوي بنسبة 11٪.
4ونموذج التشغيل من الجيل التالي: يجب على شركات الاتصالات اتخاذ القرار بالحفاظ على مكانتها كشركة مزودة لخدمات الاتصال والإنترنت، أو تغيير هيكليتها عبر فصل ذراعها الخاص بالبنية التحتية عن بقية أعمالها وعملياتها. ويتم تحديد الإجابة في هذا الإطار، بناء على الاعتبارات المالية والسوقية والاستراتيجية لكل شركة. وتجدر الإشارة إلى أن الحفاظ على الهيكلية القائمة أو تغييرها ينطوي على إيجابيات وسلبيات في كلتا الحالتين. ومن المتوقع مستقبلاً، أن تشكل عمليات البيع بالتجزئة والطيف اللاسلكي الجزء الأساسي من أعمال الشركات، والتي تتميز ببساطتها وانخفاض نفقاتها.
و اعتماد تطبيقات الجيل 5G على نحو ريادي: مازالت الشركات في المرحلة الأولية على المسار الخامس لخلق القيمة. ومن المؤكد أن يشهد المستقبل تطوراً انتقالياً في هذا الإطار رغم عدم وضوح الرؤية، ذلك أن تبني نهج تكنولوجيا الجيل الخامس ما زال في بداياته عبر معظم الأسواق. الأمر الذي يشكل نوعاً من التحدي، لناحية استشراف مسارها التطوري والفترة الزمنية اللازمة لتحولها إلى المراحل المفصلية التالية، لتصبح بالتالي عاملاً ذو أهمية حيوية في دفع مساقات الشركات للارتقاء بمستويات القيمة. إلا أن تكنولوجيا الجيل الخامس توفر العديد من الفرص والإمكانات عبر القطاع، بفضل مجموعة من التطبيقات، وأهمها المرتبطة بالأعمال B2B مثل الأتمتة الصناعية والخدمات اللوجستية، وتتطلع شركات الاتصالات للاستفادة من عوائد استثماراتها في الجيل الخامس وتطوير أعمالها ذات الصلة مستقبلاً.
من الأهمية بمكان أن تعمل الشركات على بذل الجهود اللازمة للتكيف مع الواقع الحالي والمستقبلي، تبني مجموعة من الاستراتيجيات والوسائل، ومن بينها ترقية شبكاتها وتحويل عملياتها الأساسية رقمياً وتحسين مستويات رضا العملاء وتنمية أعمالها في مجالات جديدة وغير تقليدية. ورغم أهمية هذا التحول لضمان استمرارية الإنتاجية وتعزيز التنافسية وتطوير مستويات المرونة والابتكار، إلا أن هذا التحول الجذري لثقافة الشركة، يتطلب قيادة متميزة بأدائها الفائق مع الاستعداد للاستثمار في الأفكار والتجارب الجديدة.