تخيّل أن روبوتاً يمشي في الشارع كـأخطبوط بقوائمه الحديدية وعينيه الجاحظتين وهو يراقب الناس كالمجنون بطريقة آلية رقمية جافة لا حياة فيها كما لو كان يستخدم تقنية التعرّف على الوجه التي تمت برمجتها مسبقاً من قبل أشخاص مجهولي الهوية، ويمكنك أيضاً أن تتخيل شاشة رقمية في عينيه تحلّل ما ينعكس على سطحها المعدني وتقدم تقريراً كما يراه أي مشاهد لأفلام الروبوتات المرعبة في السينما الأمريكية وهو متجه لترجمة هذا التقرير إلى واقع مادي مرير.
هذا السيناريو يتكرر كثيراً في معظم قصص الأفلام السينمائية بدءاً من أرنولد شوارزنيجر قديماً وحتى أليسون ويليامز في عصر الذكاء الصناعي الذي نعيشه اليوم، حيث تبدأ القصة عادة بروبوت يعيش مع البشر، كدمية أطفال على سبيل المثال لا الحصر، ثم يفقد الإنسان السيطرة عليه وينتهي به الأمر إلى ما لا يُحمد عقباه.
يعتقد المتحمّسون للروبوتات أن هذه الحبكة الهوليودية لا أساس لها من الصحة في عالم الواقع لأن الذكاء الصناعي في نهاية الأمر تحت سيطرة الإنسان الذي يتحكّم فيه وأن المخاوف، بما فيها إلغاء الكثير من الوظائف للبشر، غير مُبرّرة وأن الفائدة كبيرة على الإنسان.
لا أحد يشكك في حقيقة أن الذكاء الصناعي جاء ليبقى وأن الحاجة إليه ستزداد مع مرور الوقت خاصة وأن الدول في العالم، أو لنقل الشركات التقنية وخاصة في أمريكا والصين، تتنافس وتتسابق إلى الوصول إلى أجهزة وبرامج وتطبيقات بقدرات عالية وفعالية غير مسبوقة. لكن، على الجانب الآخر، هناك حاجة إلى الاستجابة والانتباه والحذر والتعامل مع آثار هذا التقدم المفرط نحو المزيد من التقدم الذي يغيب فيه الجانب الأخلاقي، وهو ما تتميّز به العلوم الإنسانية التي ستبرز الحاجة إليها مع مرور الوقت.
على سبيل المثال، أحدثت تقنية “تشات جي بي تي” التي أصدرتها شركة أوبن آي والتي شارك في تأسيسها إيلون ماسك الكثير من الأسئلة والقضايا التي يمكن أن تؤثر على الإنسان، ولعلّ القيمة الأخلاقية هي الخاسر الأكبر هنا، ولنتجاهل هنا الاستخدامات الخطيرة الأخرى له ولننظر فقط إلى استخدامه في التعليم؛ إذ وصف عالم اللغة الشهير نعوم تشومسكي استخدام هذه التقنية على أنها تقوّض العملية التعليمية وأنها مجرد سرقة يحاربها التربويون.
لكن صاحب مايكروسوفت بيل غيتس، في الطرف المقابل، يعتقد أن تقنية “تشات جي بي تي” أكبر ثورة تقنية شاهدها في حياته جنباً إلى جنب مع اختراع الكومبيوتر الشخصي والانترنت والهاتف المتحرّك.
المشكلة الحقيقية هنا هي الصوت المدوّي لتاجرين في التقنية مثل ماسك وغيتس وهما يتحدثان عن المشكلات في التربية والتعليم في حين أنك لا تكاد أن تسمع أي صوت لعمالقة أمضوا حياتهم في البحث والتدريس داخل الجامعات مثل نعوم تشومسكي وجيروم برونر الذي يرى أن الخطأ الكبير الذي وقعت فيه التربية الأمريكية هو إهمال العلوم الإنسانية والتخلّي عنها.
khaledalawadh@