أيام قليلة ويهل علينا شهر رمضان المبارك وأسأل المولى أن يبلغنا والمسلمين كافة إياه، فهو شهر الخير والتراحم والتكافل وقد خصه المولى بأنبل الصفات، والمسلمون في كل مكان في العالم يفرحون بحلول الشهر الفضيل ويعدون أنفسهم لصومه، كيف لا وهو شهر الطاعات وشهر الرحمة بالفقراء والمساكين والشهر الذي تستجاب فيه دعوات الصائمين “بمشيئة الله” والذي يغفر الله فيه الذنوب، وفيه تنداح كل العوامل المناسبة ليخلص العبد في عبادته، وفيه أنزل القرآن وفيه ليلة القدر و …. وغيره.
ورغم كل تلك الصفات والمقاصد النبيلة للشهر الكريم، فإن ما يحدث فيه من تسوق محموم وتبذير للمواد الغذائية هو بلا شك يخرج عن تلك المقاصد، ذلك أن الأمر أصبح تنافساً في الاستهلاك والتبذير بل حمى استهلاكية لا مبرر لها، ونظرة واحدة لحاويات القمامة بعد ساعات من الإفطار تكفي لتوضيح حجم الهدر الغذائي وتلوث البيئة والمجهود الكبير لعمال النظافة وغيره، فهدر الغذاء في رمضان الكريم يفوق تماماً هدره في شهور السنة الأخرى، إذ إن هنالك كميات كبيرة من المواد الغذائية يكون مصيرها حاويات القمامة في هذا الشهر سواء لقلة الوعي أوالتخطيط الاستهلاكي الخطأ أو عادات التسوق السيئة.
إن الرغبة في شراء المواد الغذائية والمأكولات بمختلف أنواعها تتفاقم عندما تكون معدة البعض خاوية حيث تدفعهم حواسهم بشراهة ودون وعي وهم صائمون في غمرة الجوع لشراء كل ما تقع عليه أعينهم من مأكولات ومواد غذائية ومشروبات دون تخطيط ويصبح البعض نهماً في الشراء للدرجة أنه يشتري كل ما يصادفه من مواد غذائية ومأكولات بكميات تفوق استهلاكه، حيث يفرط البعض في الشراء العشوائي فبدلاً من كيس خبز يكفيه يشتري ثلاثة أو أربعة وبدلاً من كيلو لحم أو اثنين يعود إلى بيته بخروف بكامله، وبدلاً من صحن فول يرجع لأسرته ومعه صحون كثيرة، في تسوق غير اقتصادي دون تخطيط يبدأ من السوق وشراء ما يصادفه لا من البيت أولاً لمعرفة ما هو موجود فيه وما يحتاجه فعلياً للاستهلاك، ومن ثم قيامه بالتسوق على أساس ذلك.
وأخلص إلى أن رمضان هو شهر العبادة الخالصة المثلى التي ترتقي بالصائم روحياً وسلوكياً، هو شهر التكافل والتآزر والإحسان إلى الضعفاء وذوي الحاجات، لا شهراً للتسوق العشوائي الانفعالي من البعض وهو صائم ويأكل بالعين قبل الفم أحيانا، ويشتري أطناناً من المواد الغذائية مصير معظمها حاويات القمامة، هو شهر الاقتصاد والتسوق المرشد والعبادات والتراحم لا شهر التكالب على شراء على كل ما يصادف البعض. وحري بنا أن نأخذ العبرة من أجدادنا الذين عاشوا راضين بما كان لديهم من نعمة دون إسراف أو تبذير مثلما هو سائد اليوم.
باحثة وكاتبة سعودية
J_alnahari@