إن الثقافة القانونية في حدها الأدنى مهمة في حياة كل مواطن أو مقيم، فالإلمام بها يجعل الفرد مدركاً يما له من حقوق وما عليه من واجبات ومن ثم التصرف السليم على ضوء ذلك، وليس مطلوباً منه المعرفة الدقيقة بكل مجالات القانون وفروعه فذلك مجال المتخصصين فيه، لكن عليه معرفة المبادئ العامة للقانون التي ترتكز على استخدام العقل والمنطق القانوني السليم، وكلها قواعد مستنبطة من القانون الطبيعي وتتصف بأنها عالمية ومضمنة في كل القوانين والتشريعات، ولا عذر للأفراد من إدراكهم للثقافة القانونية فالعلم بالقانون مفترض ولا عذر بالجهل به، فضلاً عن أن القانون مرتبط بمجالات الحياة الاقتصادية والاجتماعية وغيرهما.
إن نشر الثقافة القانونية واندياح الوعي القانوني وتبسيطه للمواطن يساهم في استقرار المجتمع وتوطيد الأمن واحترام القانون، ويتيح للمحاكم وقتاً ثميناً لأداء مهامها عبر الحد من الدعاوى المرفوعة أمامها نتيجة الجهل بالقانون، كما يخلق بيئة خالية من الجرائم ومجتمعاً نبيلاً في سلوك أفراده، بجانب أن الوعي القانوني يعزز الوئام المجتمعي وينافح الجريمة والفساد ويوطد قيم النزاهة والشفافية ويحد من السلوكيات الخاطئة كما يخلق بيئة جاذبة للاستثمارات وتدفق رؤوس الأموال.
وفي هذا السياق فإن المجتمع محتاج إلى مزيد من التوعية والتعريف بحقوقه وواجباته عبر توعية أفراده قانونياً لإدراكهم للحد الأدنى من الأنظمة والقوانين التي تسهل عليهم معرفة حقوقهم وواجباتهم القانونية ومواكبة الأنظمة المتلاحقة التي تصدرها الجهات المعنية، بجانب أن متطلبات الحياة وتداخل مصالح الأفراد يقتضي ذلك. وهنالك حقوق كثيرة كفلتها الأنظمة والقوانين لأفراد المجتمع بيد أنها تحتاج إلى من ينشرها ويقوم بتوعية الأفراد عنها، وغالباً ما يؤدي الجهل بتلك الحقوق إلى ضياعها، كما أن خطورة عدم معرفة الأفراد بالقانون الذي يكفل حقوقهم تؤدي إلى استفحال الفساد والعشوائية في سبيل الحصول على تلك الحقوق والآليات المثلى لاستيفائها، لذا فقد كان لزاماً على الشريحة الواعية المبادرة للتعريف بتلك الحقوق من كافة جوانبها، فالتشريعات وحدها غير كافية لبسط سيادة القانون وليس بمقدورها بمفردها تحقيق فلسفة القانون إلا إذا صاحبها وعي قانوني مجتمعي.
ويمكن توظيف وسائل الإعلام المختلفة خاصة منصات التواصل الاجتماعي والصحف المكتوبة بجانب الإصدارات القانونية المتخصصة لنشر البحوث والدراسات القانونية، كما يمكن لمنظمات المجتمع المدني الإسهام في رفد الثقافة القانونية، بجانب إدخال المبادئ الرئيسية لتلك الثقافة في المناهج الدراسية وإقامة ندوات وورش عمل عن أهم المستجدات القانونية، كما يُناط بالقانونيين تبسيط الأنظمة التي تصدرها الجهات المعنية لإلمام المواطن بها، بجانب أهمية نشر ثقافة الاستعانة بالمحامي من جانب المواطنين في كل ما يتطلبه النظام على غرار بقية الدول الأخرى، للوصول إلى مجتمع المواطن القانوني الحريص دوماً على إعلاء احترام القانون واستصحابه في كافة شؤون ومتطلبات حياته.
J_alnahari@
باحثة وكاتبة سعودية