متابعات

زيادة القبول تعزز رؤية المملكة.. أكاديميون لـ«البلاد»: الكليات النوعية.. مستقبل واعد لعقول عبقرية

البلاد – حمود الزهراني -أحمد الأحمدي – رانيا الوجيه

ترنو المملكة إلى مستقبل علمي وتقني مميز، لذلك أصدر مجلس شؤون الجامعات رفع القبول إلى ضِعف ما كان عليه في عام 2020م بالكليات النوعية “الصحية والهندسية والتقنية والتطبيقية وإدارة الأعمال”، بما يحسن مخرجات العملية التعليمية، ويسهم في سد احتياجات سوق العمل، بالمقابل تم تخفيض القبول بنسبة لا تقل عن 50 % في التخصصات غير المتوائمة مع سوق العمل، مع زيادة استيعاب الطلاب والطالبات في الكليات النوعية، ما يؤكد بجلاء الاهتمام الكبير من قبل الدولة بتخريج أجيال قادرة على مواكبة التطورات العملية والتقنية والطفرة الهندسية الكبيرة في المملكة بما يتماشى مع رؤية 2030، حيث تضمنت قرارات مجلس شؤون الجامعات أيضا تحويل 40 كلية نظرية في بعض المحافظات إلى كليات تطبيقية “صحية، وتقنية، وهندسية” ليصل عدد الكليات التطبيقية إلى 75 كلية تطبيقية، وكذلك التوسع في تطبيق الشهادات الاحترافية والمهنية لجميع التخصصات؛ لرفع المستوى المهاري للطلاب بما ينعكس على إعدادهم لسوق العمل بشكل احترافي وأكثر كفاءة وفاعلية، والرفع من مستوى تنافسية الطالب والطالبة محليا وعالميا.

 

وتساءل الكثيرون عن دواعي ترشيد الكليات النظرية واعتماد القبول في الكليات التطبيقة وتماشي هذا الإجراء مع حاجات التنمية وسوق العمل والاحتياج الوطني، ليأتي الرد من مختصين أكدوا لـ”البلاد”، أن هذه القرارات تمثل نقلة نوعية في التعليم التطبيقي، كما أنها تسهم في بناء سوق عمل محلي قوي جدا ينافس دوليا،

إذ قال وكيل الكلية التطبيقية بجامعة جدة الدكتور محمد عدنان بخاري، إن مجلس شؤون الجامعات يهدف من قراراته الأخيرة إلى زيادة أعداد القبول في الكليات التطبيقية تفعيلاً لبرنامج تنمية القدرات البشرية أحد برامج رؤية المملكة 2030.

وأضاف: “نشهد حاليا تحولات متسارعة في خارطة سوق العمل، وتنوع التخصصات المطلوبة عما كانت عليه في السابق، والزيادة المستمرة في أعداد خريجي الثانوية العامة تأتي من حاجة الكليات التطبيقية التي تهدف لمواءمة مخرجات التعليم مع مستهدفات التنمية بما يتواءم مع سوق العمل المتسارع والمتجدد ومتطلبات الثورة الصناعية الرابعة”، مضيفا: “تهدف الكليات التطبيقية أيضا لتأهيل طلابها للحصول على الشهادات المهنية التي ترفع من نسبة توظيفهم بما يساهم في تقليل نسبة الانكشاف المهني حيث ترتكز طبيعة البرامج على تطوير القدرات البشرية للمهارات والمعارف التطبيقية والمهنية”.

نقلة نوعية
أكد عميد كلية الأمير سلطان للعلوم الصحية بالظهران الدكتور عيدان بن موسى الزهراني، أن تحويل 40 كلية نظرية إلى تطبيقية يوصل عدد البرامج إلى أكثر من 80 برنامجاً تطبيقياً، حيث تم دمج عمادات خدمة المجتمع بالكليات التطبيقية. وتابع: “إذا تم هذا التحول والدمج بناء على دراسة ميدانية مسحية لمعرفة احتياجات سوق العمل والاحتياج الوطني والتنمية، فبلا شك يعتبر هذا التغيير نقلة نوعية في التعليم التطبيقي في المملكة كما يجب عدم إغفال مخرجات هذه الكليات التي تركز على شهادات الدبلومات”.

واعتبر الدكتور الزهراني، أنه من الصعوبة بمكان تحديد الكليات التقنية التطبيقية التي تناسب قدرات الطالبات وتفتح أمامهن آفاقا رحبة في سوق العمل، مؤكدا أنه من الصعوبة بمكان معرفة إجابة وافية وشافية في هذا الجانب بدون عمل دراسة ميدانية. أما ما يخص ضرورة الربط الجغرافي للمنطقة وحاجاتها من التخصصات بالنسبة للطالبات من رفع سرعة تأهيل الطلاب والطالبات لفرص العمل المتاحة، قال: “نعم أعتقد أن لكل منطقة إدارية بالمملكة خصوصية جغرافية تجعل لها احتياجات تخصصية تعليمية معينة. ومثال لذلك لا يمكن تدريس علوم البحار لطلاب يقطنون في مناطق صحراوية، والأمثلة كثيرة في هذا المجال”.


سد العجز
أشار عميد القبول والتسجيل في جامعة أم القرى بمكة المكرمة الدكتور خالد الثقفي، إلى أن الكليات التطبيقية مطالبة بسد العجز في سوق العمل ومنع الانكشاف المهني لبعض الوظائف، حيث أن انسحاب الكوادر البشرية الأجنبية من سوق العمل والتي تقارب 74 % من الوظائف المطروحة يتطلب تغطيتها بكوادر بشرية مؤهلة لتغطية هذا الاحتياج. ولفت الدكتور الثقفي إلى أن اتجاه الدولة -حفظها الله- يتمحور حول بناء سوق عمل محلي قوي جدا وينافس دوليا، ما يستوجب تأهيل الكوادر المهنية المحلية اللازمة لسد هذه الفجوة بالتشارك مع أرباب العمل، فالكليات التطبيقية لديها علاقة شراكة قوية ومتينة مع قطاعات سوق العمل بحيث يكون طرح البرامج للقبول بناءً على احتياج سوق العمل، ومن ثم يتم تحديث حالة سوق العمل مهنيا وتعليق البرامج الحاصلة على الاكتفاء الوظيفي في القطاعات الخاصة والحكومية.

وفي السياق ذاته، يقول عضو هئية التدريس في جامعة أم القرى الدكتور عبد الله بن ابراهيم الزهراني: أعتقد أن قرار مجلس شؤون الجامعات بتقليص القبول في الكليات النظرية ورفعه في الكليات النوعية جاء بناء على ما يقال سوق العمل، ولكن بهذه الجدية تحتاج الجامعات لرؤية وتخطيط مثالي، إذ يلحظ أن بعض الأقسام أغلقت كليا، والسؤال هل الأعداد المتخرجة في الثانوية تكفيها تلك الكليات، وما هي النسب التي تقبلها تلك الكليات حتى تستوعب الأعداد. ثم هل أجريت دراسة موازنة عما يوجد في بعض التخصصات وبين كليات التقنية وما فيها من دبلومات على الأقل. وأين مخرجات تلك الكليات التي خرجت الكثير من الطلاب خلال السنوات الماضية”. وتابع: “هل مهمة الجامعات التثقيف والتعليم أما مهمتها سوق العمل، وما أخافه هو أن يصاب سوق العمل بالتخمة في غمضة عين وعندها نستعيد الذاكرة بعدما ثقبت مع ظني أن مثل هذه القرارات لا تمليها العواطف بل الدراسات المتأنية”.


الترشيد ضروري
ويرى عميد كلية الاتصالات والالكترونيات بجدة المهندس خالد بن مسفر الغامدي، أن المملكة حققت قفزات كبيرة في السنوات الخمس الأخيرة بفضل تطوير وتحديث الاساليب التقليدية المتبعة سابقا في بناء الإنسان السعودي وبناء قدراته التي تعد منجما خصبا ومنهلا لم يستثمر من قبل بشكل مناسب، مبينا أن رؤية المملكة 2030 تدعو لتنمية هذه القدرات والطاقات البشرية الهائلة لرفعة الاقتصاد.

وأشار إلى أن القرارات الأخيرة الداعية إلى ترشيد الكليات النظرية والاعتماد الفعلي على المخرجات التطبيقية والتقنية، تتوج الجهود الكبيرة التي نشأت مع التحول الرقمي بالمملكة، ما سيكون له الأثر الأكبر في تحقيق التوازن المطلوب مع ما تتطلبه المرحلة القادمة من تحديات واحتياجات وطنية فعلية. وأضاف: “في ظل خطة التحول بالمملكة فإن دور المرأة في بناء المجتمع كبير جدا، ويأتي ذلك بالتوازي مع التوسع في المجالات التي تشغل فيها المرأة السعودية دورا كبيرا، ولا يقتصر ذلك على مجالي الطب والتعليم بل تعداها ليشمل العديد من المجالات التطبيقية الهندسية مثل التقنيات الحديثة والذكاء الصناعي والبرمجيات ومعالجة البيانات والتسويق والسياحة وصناعة المحتوى ومجالات أخرى أثبتت فيها المرأة نجاحات كبيرة تدعو إلي الفخر والاعتزاز بإبنة الوطن”. ونوه إلى أن الجامعات نجحت باستحداث تخصصات تطبيقية للفتيات تمنحهن الفرصة لمواكبة التحول والاتجاه نحو العالم الرقمي بخطى واثقة وثابتة.

وفي السياق ذاته، قطع عضو هئية التدريس في جامعة جدة الدكتور سالم بن سعيد باعجابة، بأن وزارة التعليم ربما تهدف إلى وضع خطة لإعادة توزيع المقاعد في الجامعات بما يتماشى مع احتياجات سوق العمل والطفرة الكبيرة التي تشهدها المملكة في العديد من المجالات، خصوصا العلمية، ولذا قامت برفع نسبة القبول للعام الدراسي القادم للكليات الصحية والحاسب الآلي وإدارة الأعمال وتحويل كليات المجتمع في الجامعات إلى كليات تطبيقية.

ونوه إلى أن هذه الكليات تقدم برامج في تخصصات نوعية يحتاجها سوق العمل، ويتم تأهيل الطلاب والطالبات ليصبح خريجي الكليات التطبيقية لديهم المهارات الفنية المطلوبة للعمل في القطاع العام الخاص، كما أن الجامعات ستقوم بتخفيض نسب القبول في الكليات النظرية التي لا يحتاج سوق العمل لتخصصاتها وهذه خطوة مميزة ستفيد المملكة في المستقبل القريب.

رفع الكفاءة الوطنية
قالت عميدة الكلية التقنية للبنات في جدة دكتورة عفراء زكي اللياتي، إن أهم الأسباب التى دعت إلى اتخاذ قرار زيادة القبول بالكليات النوعية هي توفير برامج تطبيقية أكثر تواؤماً مع احتياجات التنمية وسوق العمل والاحتياج الوطني ورفع الكفاءة الوطنية من الكوادر البشرية. وتابعت :”في الفترة الحالية هناك عدد من القطاعات التى بها احتياج لكوادر وطنية مؤهلة ومنها القطاع الصحي والسياحي وهندسة الحاسب بمختلف مجالاته وهي تخصصات جيدة يستوعبها سوق العمل لاسيما في المدن الكبيرة”، مشددة على أهمية تحقيق الربط الجغرافي بالتخصصات المتاحة لرفع سرعة تأهيل الطلاب والطالبات بمهارات القرن الحادي والعشرين وسد الاحتياج الوطني ومتطلبات التنمية وفق رؤية 2030.

من جهتها، أوضحت وكيلة الكلية التطبيقية دكتوره عزة بنون، أن المملكة رسمت رؤية واضحة للعمل الاقتصادي والتنموي، مع تطوير القدرات البشرية وتحسين مخرجات منظومة التعليم، بتوفير معارف نوعية في مجالات ذات أولوية في سوق العمل، فضلا عن تحسين جاهزية أبناء الوطن للانخراط في سوق العمل بشكل أسرع مع التوسع في التدريب التطبيقي والمهني لمواكبة متغيرات العصر ومتطلباته، معتبرة أن استحداث التخصصات التطبيقية سيكون له أثر إيجابي في رؤية المملكة بفضل الاستثمار في رأس المال البشري ورفع معدلات التوظيف وتنمية وتنوع الاقتصاد.

دور معرفي وتثقيفي للجامعات

قال الأكاديمي الدكتور زيد بن علي الفضيل، إن الجامعات تلعب دورا معرفيا وتثقيفيا ينبغي أن يفصل على العمل والوظيفي، مشيرا إلى أن القرارات التي صدرت مؤخرا من مجلس شؤون الجامعات له فوائد كبيرة لسوق العمل، ولكنه في الوقت ذاته يحجم من دور الجامعة المعرفي. مستطردا بالقول: “الجامعة ليست وظيفتها تخريج موظفين، وليس مهمتها تأهيل عاملين، وإن كان ذلك متحققا في عديد من التخصصات التطبيقية كالطب والصيدلة والهندسة والمالية. وقناعتي التي لن أتزحزح عنها هي أن دور الجامعة منصب حول الدور المعرفي فتلك وظيفتها الأساسية، والمعرفة بدلالتها ومضمونها لا تقتصر على تخصصات دون أخرى، ولهذا لا أرى تقييد المعرفة بأية حال، كما أؤمن بفك الارتباط بين الجامعة والعمل الوظيفي بصورة عامة”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *