مفهوم الإنسانية يعبر عن مجموعة كاملة من المُعتقدات والممارسات والفئات والخطابات والإجراءات التي على الرغم من مرونتها وقابليتها السريعة للتغيُّر إلا أنه يمكن التعرف عليها على أنها «إنسانية».
والنزعة الإنسانية هي التي تميز العمل الإنساني وتجعله مقبولًا لدى البشر كافة، وهو ما يفسر استمرارية العمل الإنساني واتفاق الجميع على جدواه للبشرية جمعاء، فـ»الإنسانية» ليست في الواقع مُجرَّد رد فعل على أزمةٍ ما، لكنها شبكة واسعة ومتطورة ومتعددة النطاقات، كما أنها طريقة تَدَخُّل تهدف إلى تحسين العالم، وروحٌ عالميّة مدفوعة بدعوة تلبية الاحتياجات البشرية في ظروفٍ غير عادية أو غير متوازنة أو غير مُتكافئة، فعلى هذا النحو تُشكل «الإنسانية» سمة مُتَسقة مع طبيعة البشر، ويتشابك تاريخُها مع أفكار ومُمارسات الخلاص والتحرير من كل ما يقف عائقًا في طريق الروح البشرية نحو سعادتها الأبدية.
ولطالما كان تأمين الوصول للمساعدات الإنسانية أثناء النزاعات وحالات الطوارئ المُعقّدة مصدرَ قلقٍ كبير لواضعي السياسات والجهات الإنسانية الفاعلة، وقد أدت مُمارسات المُفاوضات الإنسانية الضمنية، وحتى الخفية في بعض الأحيان إلى تحقيق هذا الغرض، ومن جرائها نشأ مفهوم الدبلوماسية الإنسانية وبدأ بالانتشار بشكلٍ أكثر اتِساقًا في أوائل القرن الحادي والعشرين.
ولا شك أن مبدأ الإنسانية في العمل الإنساني له اليد الطولى في جوانب كثيرة، منها جانب التضامن الذي تحدثنا عنه سابقًا، وجانب الجماهيرية التي يحظى بها العمل الإنساني، وجانب المرونة والانسيابية والسهولة في تنفيذ الإجراءات الخاصة بالدبلوماسية الإنسانية، فضلًا عن الجانب النفسي الذي يحقق شعورًا ممتعًا لكل من يسهم في أي مجال خاص بميدان العمل الإنساني.
والتحدي الأكبر والعجيب الذي يواجه مبدأ «الإنسانية» في هذا السياق هو نزعها أو تفريغها من مضمونها، فهذه السمة الإنسانية يتم نفيها بالتأكيد عندما تخلق هناك رغبة سرية دفينة عند البعض في استمرار الصراعات، وظهور الجديد منها، وذلك على أمل إغداق المزيد من الأموال وتجدد فرص العمل وانتعاش القطاع الإغاثي، وهذا بحد ذاته خطيئة تقتل روح العمل الإنساني ومبادئه.
لذلك، يتوجب على الجميع، ضرورة الالتزام بمبادئ العمل الإنساني السامية، والأهم من ذلك تفعيل وتعزيز منظومة التشاركية المجتمعية، وتفعيل سبل مراقبة طريقة وجودة العمل الانساني من قبل متلقي الخدمة أنفسهم، التزامًا بأحد أهم المعايير الإنسانية، وهو «مسؤولية المنظمات الإنسانية، تجاه متلقي الدعم الإنساني»، وحق متلقي الخدمة بمساءلة أي طرف عند الإخلال بأي من معايير العمل الإغاثي، وبمثل هذا يبقي العمل الانساني (إنسانيًّا).
* رئيس مركز الاستشارات والتدريب والتطوع بالمنظمةالعربية للهلال الأحمر والصليب الأحمر.