بداية يجب علينا الاعتراف بأن إحدى إشكالات العمل الإنساني أنه عمل تطوعي في المقام الأول، وربما يدعو وصفها بالإشكال إلى الاندهاش، لكن أقول إنه إشكال لكون العمليات التطوعية بوضعها القائم وبطبيعتها الفضفاضة لا تضع معايير صارمة لصفات العاملين في ميدانها؛ لذا يدخل في الصف التطوعي من ليس منه، بل يكون مدفوعًا بأهداف معينة يرنو إلى تحقيقها متخذًا من العمل التطوعي ستارًا كثيفًا يعمل من ورائه، وربما تسرب إلى صف العاملين في المجال الإنساني أصحاب النفوس المريضة التي لا تعرف للمبادئ الإنسانية طريقًا، ولا تطرق للصدق والشفافية سبيلًا ولا نهجًا.
من هنا ندرك حجم التحديات التي تواجه عمل الدبلوماسي الإنساني في قضية التزام مبدأ الشفافية التي يجب أن تغلف العمل الإنساني الذي يقوم به في كل مراحله، بداية من جمع المعلومات عن الميادين التي ينبغي أن يشملها العمل الإنساني، انتهاء بوصول المساعدات بكافة أنواعها إلى مستحقيها.
والشفافية كمصطلح يقف في الجهة المقابلة للسرية، وهي تعني الإفصاح عن هذه الأفعال، والوضوح في إدارة الموارد من قبل القائمين عليها بمختلف مستوياتهم فيما يخص إجراءات تقديم الخدمات.
ويكون الفعل أو النشاط شفافًا إذا كانت المعلومات حوله متوافرة وواضحة، وهي تعني في مجال الدبلوماسية الإنسانية الصدق والانفتاح في التواصل ومشاركة المعلومات المناسبة بالطريقة الملائمة مع المتأثرين بالأزمات وغيرهم من الجهات المعنية، ويأتي هذا المبدأ كحاجة ضرورية وملحة لعملية مراقبة وتقييم المساعدات الإنسانية، كونه يشكل إطارًا عمليًا لتوحيد الجهود لمواجهة التحديات التي تواجه عملية المراقبة والتقييمات وجمع المعلومات في مناطق تقديم المساعدات الإنسانية، ورفع قدرات وكفاءة هذه الأطراف في تعزيز مبدأ الشفافية ومنع الفساد الذي قد يصاحب العمليات الإنسانية في مراحلها المختلفة.
وتنفيذ هذا المبدأ يتطلب تحسين المساءلة والمشاركة المجتمعية لتقديم الممارسات الفضلى لرصد التقدم في تنفيذ التزامات الممولين، والمانحين الدوليين في تقديم المساعدات الإنسانية والاستفادة من آراء المجتمعات المحلية المتضررة، وتقديم كل هذا للرأي العام والجمهور ضمانًا لمبدأ الشفافية والمحاسبة المجتمعية لأي طرف يثبت نقضه لهذا المبدأ، وتطرقه إلى الفساد بأية صورة من صوره.
ولا شك أن حق المستفيد في الحصول على المعلومات من المؤسسات التي تعمل في مجال العمل الإنساني يجعل العاملين فيه يقومون بوظائفهم في أجواء شفافة، تكشف عن مواطن الخلل والتجاوز، وتحد منها لمجرد شعور العاملين في هذا الميدان بأن المستفيدين على علم بما يقومون به، الأمر الذي يحد من فرص الفساد وسوء استخدام أدوارهم في تحقيق مآرب شخصية لا تمت للعمل الإنساني بأي صلة.
* رئيس مركز الاستشارات والتدريب والتطوع بالمنظمةالعربية للهلال الأحمر والصليب الأحمر.