جدة – رانيا الوجيه – تصوير: خالد بن مرضاح
مع عودة المدارس حضوريا عادت مدينة جدة لتشهد ازدحاما شديدا في بداية كل صباح وهي الفترة التي يخرج بها الطلاب الى مدارسهم وجامعاتهم والموظفون لدواماتهم، وهنا ينطلق سؤال فيما إذا كان الازدحام في أوقات الذورة وغيرها يعد أحد المؤثرات النفسية والسلبية على الإنسان ويجعله أقل تركيزا وانتاجية أيضا، ويعرضه إلى الاضطراب النفسي والتوتر ونوبات القلق الحاد، ومن جانب آخر هل الازدحام المروري يعود إلى التخطيط غير المناسب للمدن وعدم وجود بعض نظر للمدى البعيد لزيادة الكثافة السكانية وزيادة عدد السيارات، أم إلى أسباب أخرى.
“البلاد” التقت عدداً من المهندسين والذين وضعوا النقاط على الحروف حول إمكانية احتواء الازدحام المروري في عروس البحر الأحمر.
البداية مع مهندس التخطيط الهندسي هادي جعفر بجامعة الملك عبدالعزيز الذي أوضح بقوله: يعنى التخطيط العمراني التنبؤ بالنمو السكاني وتقسيم المناطق وتحليل الطرق ومسارات الحركة والتعرف على أنماط النقل وتحليل أثر استخدام وسائل النقل على ازدحام المدن وما هي الحلول الموجودة في معالجة وفك الاختناقات المرورية ، من واقع تجربتي اليومية في انتقالي من سكني من شمال جدة الى وسطها وفي وقت كان دوام الطلاب عن بعد كنت اصل لمقر عملي في خلال 20 الى 25 دقيقة لمسافة 45 كلم في اتجاه واحد أي 90 كلم في الإتجاهين، أما في وقتنا الحاضر ومع عودة الدراسة الحضورية والدوام وكثرة السيارات من كل الأحياء المحيطة بتلك الطرق أصبحت فترة انتقالي لمقر العمل بنفس المسار وهو ( طريق الحرمين – أحد الطرق السريعة بمدينة جدة والتي يربط شمالها بجنوبها) يستغرق حوالي 50 دقيقة الى ساعة حسب الحركة المرورية وكثافة السيارات بالطريق.
وسائل نقل متنوعة
واستطرد المهندس جعفر بقوله: لذلك نحتاج الى (وسائل نقل عام متنوعة) وتوسيع الطرق وإنشاء طرق جديدة ومعالجة التقاطعات والكباري وسرعة مواكبة تزايد عدد السيارات والمركبات وتحويل مسارات الشاحنات والمعدات الثقيلة الى خارج المدينة او تخصيص طرق بديلة لها وذلك للحد من تعطيلها لمسارات الحركة واحينا تكون السبب الرئيسي في شل حركة السيارات وذلك لعدم القدرة على التوجه نحو المخارج او الدخول او الخروج من التقاطعات بسبب تكدسها وتوقف حركتها المفاجئة وأيضا السرعات النظامية للطريق وهي 100 كلم ليست مناسبة لحجم الطريق وأيضاً معرفة مولدات الحركة، استخدام برامج المحاكاة، وتوفر المدارس التي تخدم سكان الحي.
أما من حيث أن هناك زحفاً نحو الأحياء الواقعة في شمال جدة مثل حي ابحر والحمدانية وغيرها من الأحياء التي لا تعاني من الازدحام فيعلق المهندس هادي جعفر قائلا: التخطيط الهندسي الموجود في الأحياء الجديدة والمخططة والمدروسة مرورياً وحضريا وتخطيطها منظم وشوارعها واسعة والحركة بها سهلة ومدروسة، أما مشكلة ان اغلب الدوائر الحكومية والشركات الكبرى تقع وسط جدة وتعاني من الإزدحام وذلك بسبب ان تلك المخططات قديمة وتقع حولها احياء عشوائية وطرق غير منظمة وأصبحت الطرق بها لا تتحمل التزايد الكبير في أعداد المركبات وعدم وجود وسائل نقل تخفف من هذا الازدحام واصبح هنالك حراك في نقل وتغيير مواقع الدوائر الحكومية وانتشارها في جميع المخططات وأيضا عملية إزالة الأحياء والمخططات العشوائية سيساهم في فك هذا الازدحام بعد اكتمال تنفيذ هذه المشاريع ووجود وسائل نقل مختلفة مثل الباصات والمترو وتحسين جودة الحياة.
تطوير المخططات
وأضاف بقوله :مدينة جدة أصبحت في حراك نحو التمدد العمراني في اتجاهات نحو شمال المنطقة والجنوب والشرق ولكنها بطيئة وتحتاج الى وقت وجهود كبيرة وتطوير للمخططات الواقعة خارج المدينة وعمل وسائل جذب مثل توفير النقل العصري والمخططات مكتملة الخدمات والطرق الوسيعة والسريعة وتوفير أماكن العمل سواء حكومية او صناعية بالقرب من تلك المواقع وذلك لسهولة الانتقال والدخول والخروج وتوفير وسائل الترفيه والسياحة ومعالجة وإصلاح مشاكل البنية التحتية الحالية الموجودة وسينتقل اغلب السكان لتلك المخططات او المدن الجديدة حال توفر جميع مقومات الحياة بها. وعن معايير تخطيط المدن الذكية والناجحة، حتى تخفف من الازدحام يقترج المهندس هادي بقوله: لا بد من رفع مستوى البنية التحتية وإدارة شبكة الطرق بإعتماد فاعلية الطاقة الإستيعابية لشبكة الطرق، الاستثمار في إنشاء شبكات الطرق وتوسيعها ،زيادة كفاءة تشغيل نظام النقل العام وزيادة سعتة ،تحسين مستوى السلامة المرورية، زيادة السرعات وتقليل التوقفات ،إنشاء مواقف السيارات الذكية وزيادة عددها،إمكانية الوصول ،النقل الآمن،التقنيات المبتكرة ،أنظمة نقل أكثر كفاءة وذكاء، الإستفادة من شبكات الحركة بصورة فعالة فى حركة المركبات والأشخاص والبضائع للحد من الإزدحام المروري.
فضلا عن استخدام نمط اجتماعى جديد: مثل المشاركة في استخدام السيارة والتنوع ما بين استخدام السيارات والدراجة ووسائل النقل المتوفرة.
تخطيط هندسي
المهندسة المعمارية المتخصصة في التخطيط الحضاري دارين إسكندر تقول: إن تفادي ازدحام المدن احد أساليب التخطيط الهندسي للمدن، حيث يعنى التصميم الحضري بالتخطيط الجيد للمدن، ويشمل ذلك كل الموارد الطبيعية والآليات المتبعة فيها، مثل الاعداد البشرية لكل متر، الحركة المرورية، وغيرها من التفاصيل المهمة. بل ان الازدحام يعتبر من احد العناصر المهمة والحساسة التي يتم التعامل معها بشكل مختلف، حيث يتم دراسة تفاصيل دقيقة لكل الشوارع سواء كانت شوارع رئيسية او فرعية مع الاخذ بالاعتبار بنوعية الخدمات المقدمة في المنطقة. وعلى سبيل المثال تم ازالة المناطق العشوائية في وسط جدة وجنوبها واحد الاسباب كانت سوء التخطيط في العقود السابقة مما ادى الى اختناق مروري فيها وازدحام.
كما نشهد هذه الايام زحفا عمرانيا واضحا بسبب زيادة الكثافة السكانية ومعظم الاحياء الجديدة نجد تخطيطها مختلفا ومراعيه للكثافة السكانية الموجودة، لم تعد وسط جدة تعتبر وسط مدينة جدة بسبب الزحف والان كمان نرى الدوائر الحكومية بدأت ايضا بفتح فروع اخرى في شمال جدة.
كما رأينا اعلان مبادرة تطوير وسط جدة، بالإضافة الى التوزيع الجيد لأماكن التجمع حول مدينة جدة كل ذلك يؤدي الى السيطرة على الازدحام، وفي اعتقادي الشخصي سوف يتم اتباع هذا النهج في توفير كافة القطاعات المتكاملة في اماكن متباعدة.
وحتى نتمكن من التغلب على الازدحام يجب اولا اعادة تخطيط الشوارع والاخذ بعين الاعتبار وسائل المواصلات العامة كالقطار والمترو والباصات التي تساهم بشكل فعال في تخفيف الازدحام بالإضافة الى توفير مسارات مخصصه للمشاة وراكبي الدرجات.
تحليل البيانات
المهندس حسام الزهراني في التخطيط الحضاري قال: بالطبع ازدحام المدن جزء من دراستنا في التخطيط الحضري والاقليمي حيث نبدأ بتحليل البيانات (اما عن طريق مدة الزحام او عن طريق عدد الرحلات على الطريق) وهناك عدة حلول للازدحام منها ماهو مكلف وهناك ماهو رخيص في التكلفة ومجدٍ اكثر وهو الحافلات التي بكل اسف لا تعمل بشكل صحيح.
كما أن عدد السكان في ازدياد كبير عاما بعد عام ولكن المشكلة أننا في اي مرحلة خطر هناك تقييم اسمه (LOS) يوضح في اية مرحلة واقعة مدينة جدة، وكان من المفترض ان نعمل على حل الازمة من قبل ٦ سنوات.
ومن جهة أخرى هناك زحف نحو الأحياء الواقعة في شمال جدة مثل حي ابحر والحمدانية وغيرها من الاحياء التي لا تعاني من الازدحام بسبب اسعار الاراضي والشقق السكنية المنخفضة واكيد بسبب انها منطقة بعيدة عن الزحام وهذا شيء مكلف في البنية التحتية للحكومة منها بناء المدارس والخدمات الاخرى ويجب ان يتم الحد من التمدد فمثلا في بريطانيا حدود المدن تحد بمنطقة فاصلة مليئة بالأشجار، ولا أعتقد أن مدينة جدة ستتجه مثل القاهرة في علاج الأزمة المرورية بعمل مدينة جديدة مثل العاصمة الإدارية في القاهرة.
مسارات مشاة
وعن معايير تخطيط المدن الذكية والناجحة، حتى تخفف من الازدحام قال: من خلال تخطيط الاستدامة اولا وتوزيع صحيح للخدمات في داخل الاحياء ووضع مسارات مشاة ودراجات ومسار حافلات ووضع محطات حافلات في داخل كل حي وتقليل مسارات السيارات الى مسار واحد لتقليل السرعة.
فالمدن من بعد الثورة الصناعية اصبحت السيارات هي العنصر الاول والانسان هو العنصر الثاني، وتخطيط النقل العام من اولويات المدن الذكية.
بالرغم من وجود شركة سابتكو وهي المسيطرهة في الحافلات وللأسف تعمل من اجل توفير النقل العام للوافدين اما السعوديون هناك فكرة عامة انهم لا يركبون الحافلات والعكس صحيح وفر خدمة ممتازة واول مستخدمي هذه الخدمة هم السعوديون.
وأذكر أن مشروع تخرجي كان عن شبكة الحافلات في مدينة جدة وللأسف من خلال تحليلي للزحام ومناطق الكثافات السكانية العالية ومناطق الاعمال اكتشفت أن الشبكة الحالية للحافلات تغرد خارج السرب.
ضغوط الازدحام
ويحلل من الجانب النفسي الدكتور سليمان الزايدي المعالج النفسي ومرشد اسري وعلاج الادمان والتأهيل الأثر النفسي الذي ينتج من الازمة المرورية: يعتبر الزحام المروري ومعايشته كل يوم صباحا أثناء الذهاب الى المدرسة أو الجامعه أو الدوامات ، بالفعل سيؤثر على الحالة النفسية جدا ويحدث القلق والتوتر، حيث أن ضغط القيادة وضغط الزحمة وضغط الوقت هو أسوأ شيء يصيب الإنسان من الناحية النفسية، والخوف من التأخير والخوف من عدم مراعاة وتفهم الجهة المقابلة في بعض الأحيان يعاقب الطالب على التأخير ويخصم من الموظف أيضا في حال التأخير وكل تلك العوامل تسبب توترا عاليا بالنسبة للطلاب وإنتاجاتهم تنخفض، وهذا بالنسبة إلى الأشخاص الأسوياء اما على صعيد الأشخاص الذين يعانون أصلا من القلق والتوتر المرضي فيضاعف الزحام هذه الحالة وترتفع مخاوفهم بشكل كبير جدا ، بالرغم من أن مستوى التأثير يختلف من شخص لاخر، فهناك اشخاص عندما يدخلون الى الزحام يتعايشون مع الموقف ويتوكلون على الله وهناك من يسخط على الوقت والمكان ويكره الجامعة او المدرسة او العمل المتجه اليه، وفي كل الأحوال الزحام له تأثير سلبي على نفسية الناس، وبالتالي أنصح إدارات التعليم بالحرص على أن يكون المعلم والطالب يداومون في نفس الحي أو قريب من الأحياء التي يسكنون بها بقدر الإمكان . كما انصح من يعانون من الزحام الحرص على الخروج قبل مواعيدهم بساعه حتى لا يصابوا بالتوتر والقلق.