قد يعتقد البعض أن قرارا كهذا سيجعل من وتيرة العمل أكثر سرعة، فلا ينشغل الموظفون بتناول قهوتهم الصباحية في الربع ساعة الأولى من الدوام، وما يصحبها من توزيع للتحية بين المكاتب والسؤال عن الأحوال، خاصة لو أننا نتحدث عن بداية الأسبوع الوظيفي.. على الجانب الآخر قد يدفع هذا القرار بالبعض إلى ترك العمل كموظف واللجوء إلى المشاريع الخاصة،
حتى يكون داخل مملكته، يضع فيها قوانينه، دون تدخل من الشؤون القانونية أو تسلط قسم الموارد البشرية الذي أنتسب إليه، قد يكون هناك جانب إيجابي في قرار تعسفي من وجهة نظر مدمنة قهوة مثلي، وهو أن يتوجه قدر لا بأس به من الموظفين إلى إقامة مشاريعهم الخاصة، وبالتالي ظهور قطاعات جديدة إبداعية على يد أصحاب التحدي من بين الموجودين.
ولله الحمد، لم يصدر قرار كهذا إلى حينه، وإلا لكنت أول المنصرفين عن العمل، حتى لو تطلب الأمر البقاء في المنزل ومشاهدة أحداث المسلسلات المتتالية بجميع جنسياتها على التلفاز، بجانب كوب القهوة الخاص، وصحن المكسرات لفترة غير محددة الزمن..
قبيل أيام، صدر قرار مشابه لهذا القرار من وزارة العمل يقضي بمنع التدخين داخل المؤسسات والشركات وتقدير غرامة تصل إلى خمسة آلاف ريال، لمن تقع عليه المخالفة، ربما من وجهة نظر صحية، هو قرار صائب لا محالة، إذا أردنا أن ننظر للأمر من وجهة نظر غير المدخنين، أو من يعتنقون مبدأ الصحة الجيدة للجميع، أو من يرفضون التدخين في أصله، إنما لو نظرنا له من بعد آخر.. أي من وجهة نظر المدخنين، فهو قرار قد يدفع ببعضهم إلى ترك العمل وبالتحديد العنصر النسائي، إذا كان القرار يستلزم منهن الخروج للشارع العام واللاتي لا يجدن مفرا لهن من التعاطي مع الأمر بين ليلة وضحاها.
لست مع التدخين .. ولا مع انتشاره في المجتمع، ولكني أقدّر أن لكل منّا عادة تمكنت منه دون أن يشعر، لتصبح ملازمة لحياته يحتاج حتى يفر منها إلى إرادة قوية وعزيمة قد تفوق قدراته في أغلب الأحيان، وأيضا على الجانب الآخر مني.. سعدت جداً بالقرار لأنه قد يساهم في مساعدتهم على التقليل من التدخين وصولاً إلى التخلي عنه، ولكن لنفكر أكثر بمنطقية مغلفة بطابع إنساني.. أرى ضرورة توفير أماكن للتدخين من قبل أصحاب الشركات تتوافق مع القرار، وتراعي احتياجات الموظفين، مع ضرورة الابتعاد قدر الإمكان من مدمني القهوة في قرارات مشابهة لتلك.