البلاد – مها العواودة – رانيا الوجيه
هناك أوجه تشابه بين الدعاوى الكيدية والخلط بينها وبين الدعاوى الصورية والبلاغات الكاذبة بالرغم من تغاير واختلاف الأحكام الخاصة بكل منهم، الدعوى الكيدية عبارة عن استغلال حق الفرد بهدف إحقاق الباطل أو إبطال حق، للضغط على الخصم وإجباره على التنازل والصلح، أو ابتزازه ماديا لتحقيق بعض المكاسب غير المشروعة أي أن الدعوى الكيدية يجب أن يتوفر بها عنصر إلحاق الضرر بالمدعي عليه.
والسؤال الذي يتبادر الى الذهن كيف يسمح بقبول دعوى دون وجود بينات لا تقبل الشك كما هو الحال في المحاكم بجميع ارجاء العالم، هل يمكن للمحكمة دراسة سلوك وتصرفات المدعي فيما يتعلق بتقديم الشكاوي خصوصا وان تكرار رفع الدعاوي يسبب الضرر للمدعى عليه كما ان ذلك بمثابة سلوك عدواني لتحقيق مصالح ذاتية خصوصا وان هناك من يرفع عشرات الدعاوى الكيدية على اشخاص لم يسبق لهم دخول ردهات المحاكم من قبل وفي هذا الصدد يقول البعض انه لم يتم تفعيل عقوبات القضايا الكيدية وتصعيب اثباتها بمبررات متعددة لردع المتربصين بالناس خصوصا وان الدعاوى الكيدية تشغل المحاكم.
ثمة قصص كثيرة للدعاوى الكيدية ومنها قصة زوجة ادعت على زوجها انه مدمن في المخدرات وقدمت بلاغا بأن زوجها في حوزته بعض المواد المخدرة كالحشيش، وبعد القبض على الزوج وتفتيشه والتحقيق معه وإحالته إلى مستشفى حكومي وإجراء التحاليل الطبية اللازمة ، تم التأكد من أن الدعوى كيدية من الزوجة التي فعلت ذلك بدافع الانتقام بعد أن علمت أنه تزوج عليها .
وقصة أخرى من أروقة مكاتب المحامين التي أكدت أن الدعاوى الكيدية لا تنتشر أكثر في قضايا الخلافات الزوجية بل أيضا بين التجار والمنافسين، كما حدث مع أحد التجار الذي تعرض لدعوى كيدية من منافسه ليتهمه برداءة منتجاته وأنها منتهية الصلاحية وأتهمه أيضا بالتلاعب الضريبي ، والرصاص الذي لا يصيب يدوش، وبالفعل كان الهدف من الدعوى الكيدية إساءة وتشويه سمعة التاجر ليفقد العملاء الثقة في بضاعته وإثارة البلبلة وتعطيل تجارته بالإغلاق إلى أن تثبت براءته.
تحقيق مكاسب
المحامي وعضو هيئة حقوق الإنسان الدكتور عبد الحكيم الخرجي من منطلق قانوني فإن لكل حق دعوى واحدة، ونظراً لتجاوز البعض لهذا الأساس أو مخالفته مما نتج عنه الدخول في الكيدية وعدم صحة الادعاء ( الدعوى الكيدية ) وهذا يأخذ صورا شتى لا يمكن حصرها حيث أنها قد تكون بغرض تحقيق مكسب مادي أو منع صاحب الحق من حقة نكاية به ، أو تحقيق ضرر معنوي….الخ، وعليه فقد وضعت التشريعات الرسمية نصوصا قانونية لمنع الدعاوى الكيدية والحد منها قدر الإمكان ، ففي النظام السعودي نصت المادة الثالثة من نظام المرافعات الشرعية بفقرتها الثانية على (أن ظهـر للمحكمـة أن الدعـوى صوريـة أو كيديـة وجـب عليهـا رفضهـا، ولها الحكم على من يثبت عليه ذلك بتعزيره) بل أن المملكة حققت قفزة نوعية في هذا المجال وذلك بصدور نظام التكاليف القضائية معززاً لشرط المصلحة في الدعوى المرفوعة ومحارباً للدعاوي الكيدية حيث ألزم النظام صاحب الدعوى بدفع تكاليف قضائية تتناسب بشكل طردي مع حجم دعواه ، وجعل من حقة الرجوع بتلك التكاليف على الطرف الآخر في حال كسب دعواه، وأيضاً منح الحق لصاحب الدعوى بترك سداد هذه الرسوم لحين تنفيذ الحكم الصادر في موضوعها مما يترتب عليه تحميل الطرف الخاسر تلك التكاليف، وفي حال كان المدعي غير محق في دعواه أو جزء منها فإنه بموجب هذا النظام سيتحمل كافة التكاليف بمفرده أو جزء منها بقدر عدم أحقيته في الدعوى ، وهذا يعتبر معيارا عادلا جداً بين الخصوم ومانعاً لأي طرف من تجاوز الحق الذي يستحقه، وتابع» من خلال هذا النظام يتضح أن طائفة من الناس الذين استغلوا مجانية القضاء في مخاصمة أي أحد بحق أو بدون حق ، أو أولئك الذين يستغلون بعض الثغرات للإضرار بالآخرين لمجرد الإضرار فقط ، وهم بهذا السلوك يكونون بعيدين كل البعد عن شرط المصلحة والذي يعتبر هو الأساس في رفع الدعوى، سيكونون أمام نظام صارم يمنع تلاعبهم ويكفي الآخرين شرهم ويجعلهم مدركين أن كيديتهم لن تمر دون أن يترتب عليها ثمن ، وهذا أمر محمود يسعى إليه كل أحد ، كما أننا نتطلع لصدور تنظيمات أخرى تعزز جانب المصلح كشرط أساسي في رفع الدعوى ، ومنع قبول أي دعوى لا يقوم عليها دليل بيّن أو مصلحة مما يساهم في كفاءة القضاء ودقته وسرعته وعدم اشغاله بما يخالف الغرض من وجوده، وهذا مما لا شك فيه أصبح ضرورة تقتضيها متطلبات الحياة في وقتنا الحاضر نظراً لتطور الحياة بكافة جوانبها وظهور أنواع جديدة من أنواع المعاملات التي يمكن أن تستغل بشكل قانوني أو غير قانوني .
أساس العدل
من جانبه قال المحامي سالم ال زلفة نتفق أن من الوظائف الرئيسية للدولة هي القضاء وقد اهتمت حكومتنا الرشيدة بالقضاء وأولت له العناية.
إذ يعد القضاء العائم على العدل إحدى الدعائم الأساسية للدولة، وإحدى سلطاتها الرئيسية الذي بواسطته يشعر كل فرد من الأفراد بالطمأنينة على نفسه، وماله، وعرضه، وأن الناس سواسية في الحق، والعدالة.
وأولت السعودية منذ قيامها على يد المغفور له الملك عبد العزيز طيب الله ثراه الاهتمام والرعاية في أن الناس سواسية، وأن القوي فيهم هو الضعيف حتى يؤخذ الحق منه، والضعيف هو القوي حتى يؤخذ الحق له، وأقامت القضاء على تحكيم الشريعة الإسلامية في كافة الأمور.
ويعد مشروع الملك عبد الله لتطوير مرفق القضاء نقطة تحول تاريخية في مسيرة القضاء في المملكة، يحقق الاستقلال للمرفق ويعزز جانب التخصص ويوجد ضمانات العدالة ويريح القضاة والمراجعين للمحاكم كما جاءت موافقة مجلس الوزراء السعودي على نظام التكاليف القضائية، وهذا دليل حرص مولاي خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي العهد على تطوير القضاء والاهتمام به.
ومن المعروف أنّ الدعوى هي الوسيلة النظامية والقانونية التي تخول الأفراد باقتضاء حقهم أمام القضاء؛ وذلك لأنّ السلطة القضائية هي السلطة التي تحمي حقوق الأفراد، وذلك عن طريق رفع دعوى إليها، وأن نظام المرافعات الشرعية السعودي نص على أنه في حال ظهر للمحكمة أن الدعوى صورية أو كيدية وجب عليها رفضها، وإحالة المدعي إلى النيابة لاستكمال ما يلزم نظاماً، وأن من نتائج الدعاوى الكيدية إلحاق الأذى المعنوي والمادي بالمدعى عليه المتضرر، وتشويه سمعته بنشر انطباع سيئ عنه وإهدار وقته وخسارته المادية الناتجة عن تعيين محام عنه، إلى جانب إهدار أوقات الجهات الحكومية والمحاكم للنظر والفصل فيها وتفويت فرصة الاستفادة من هذه الأوقات لاستغلالها في الفصل في قضايا أهم، للمدعى عليه المتضرر الحق بالمطالبة بالتعويض عن ذلك الضرر الذي لحق به.
حق الترافع
من جانبه قال المحامي والمستشار الشرعي القاضي بديوان المظالم سابقاً الدكتور فيصل بن سعد العصيمي إن الترافع لاشك أنه حق، ورفع الدعوى امام المحاكم حق لكل مواطن ومقيم في المملكة العربية السعودية كفله له النظام ولكن لا يجوز رفع الدعاوى الكيدية والشكاوى الباطلة حيث صدرت من مجلس الوزراء قواعد الحد من آثار الدعاوى الكيدية وقررت العقوبات اللازمة للحد من الاثار.
هناك العديد من اللوائح والأنظمة التي تعالج هذه الإشكالية وسيسهم نظام التكاليف القضائية الصادر قبل عدة أيام في الحد من الدعاوى الكيدية حيث سيكون هناك تكاليف قضائية يتم دفعها مقدما عند رفع اية دعوى وبالتالي ستخفف كثيرا من الشكاوى الكيدية بالإضافة إلى أنه في حال ثبت ان الدعوى كيدية باطلة فإنه يحق للقاضي تعزير مقدم الشكوى بموجب النظام.