إعداد الأطفال وتنشئتهم ليكونوا قادة المستقبل يمثل أهمية وتحديا كبيرا في عالمنا الراهن المتسم بتقدم علمي كبير وطفرة تقنية متلاحقة، حيث يتطلب ذلك إعداد أطفال باستطاعتهم التعامل مع متطلبات عالم اليوم بتحدياته الكبيرة والكثيرة، بحيث تبدأ تربيتهم من مرحلة الطفولة المبكرة باعتبارها المرحلة الرئيسية لنمو الطفل التي تتشكل خلالها ملامح نموه وتترسخ لديه أنماط التفكير والسلوك ويكتسب الخبرات والميول والاتجاهات وغيرها.
إن السنوات الست الأولى من عمر الطفل هي التي على ضوئها تتحدد تربية الطفل وتتشكل شخصيته المستقبلية، لذلك فإنه من الخطورة بمكان أن تترك مهمة التربية لمربية أو خادمة تفتقد لمؤهلات وقدرات في هذا المجال أو حتى للوالدين اللذين لا يتعدى مفهومها عن التربية تأمين متطلبات الحياة فقط.
إن هنالك عدة تصرفات قد بدأت تظهر مؤخراً على الأطفال جراء التربية الخاطئة كرد فعل لعدم فهم الآخرين لهم وتلبية حاجياتهم منها على سبيل المثال سرعة الغضب والانفعال والصراخ نتيجة عدم قدرتهم عن التعبير عما يجول بخاطرهم أو سوء عملية التواصل مع الآخرين بجانب انتشار المصطلحات الدخيلة على اللغة العربية في الوسط الذي يعيشون فيه وصعوبات استيعاب المشاعر والاستجابة لها من قبل الآخرين وضعف مهارات التكيف لدى حالات التوتر وانخفاض مستوى الرضا عن الحياة وغيرها.
وهذه التصرفات يمكن إدراجها تحت مرض يسمى اللامفرداتية أو «الكسيثيميا» أي حالة يجد فيها الشخص صعوبة في تحديد مشاعره والتعبير عنها، حيث يعاني الأشخاص المصابون باللامفرداتية من صعوبات في علاقاتهم الاجتماعية ويفشلون في الانخراط في المواقف الاجتماعية.
تربية الجيل الجديد وإعداده بشكل عملي ومهاراتي يلبي خدمة الوطن مستقبلاً هي مسؤولية عظيمة تمس مستقبلنا كله وتتطلب تضافر كافة الجهود، وفي هذا السياق فهناك اقتراح بأن تقوم وزارة التعليم بإعداد مشروع وطني يعكف عليه ويخرجه علماء الاجتماع والإعلام والبيئة وغيرها للتصدي لتداعيات الطفرة المادية على أطفالنا ومعالجة تأثيرات ثقافة العمالة الأجنبية من خدم ومربيات وسائقين عليهم، فضلاً عن معالجة الجوانب السلبية التي نتجت من طوفان المعلومات وما أنتجته التقنية من أجهزة ذات برامج شتى.
وهنالك اقتراح آخر بأن يكون التعليم المبكر (ما قبل الابتدائي) إجبارياً مع وضعه كمعيار للالتحاق بالمرحلة الابتدائية مع التكثيف فيه على تعلم السلوك الحضاري والأخلاقي وإعلاء قيم مثل التكافل والاحترام والنظام والنظافة وغيرها، وجعلها سلوكاً يومياً ممارساً من قبل الأطفال وفق مناهج بمهارات توضح كيفية التعبير وتفسير مشاعر الأطفال بلغة سليمة، وذلك كله في إطار الرؤية الهادفة إلى إعداد جيل جديد واعٍ قادر على تجسيد مكانة المملكة ودورها وتحضر مواطنيها.
باحثة وكاتبة سعودية
J_alnahari@