جدة- محمود العوضي
عاشت القارة الأوروبية أسبوعًا دراماتيكيًا، بعد إعلان 12 من أكبر الأندية الأوروبية عن مشروع إطلاق دوري السوبر الأوروبي، ولكن بالسرعة نفسها التي بدأت بها قصة دوري السوبر الأوروبي الانفصالي، انتهت المغامرة التي أحدثت زلزالًا في عالم كرة القدم، وتركت أسئلة عديدة باتت الإجابة عليها أكثر إلحاحا من الفيفا واليويفا.
إعلان مفاجئ
فوجئ عشاق كرة القدم بإعلان 12 ناديًا تأسيس دوري السوبر الأوروبي يوم الأحد الماضي، قبل أن تبدأ الأندية بالانسحاب تدريجيا بعد أقل من 48 ساعة من إطلاق المشروع. وبدا أن حالة الغضب العامة التي اجتاحت مواقع التواصل الاجتماعي، وظهرت عبر تجمع مشجعي الأندية قرب ملاعب فرقهم، كانت العامل الحاسم في إعلان إخفاق البطولة. ولم تكن تلك المظاهرات والأصوات التي عبّرت عن الرفض سوى جزء من المشهد الذي تتشعب تفاصيله لتشمل هذه العناصر.
التلويح بعقوبات
لم تتأخر مختلف الهيئات الكروية العالمية، وفي مقدمتها الاتحاد الدولي لكرة القدم والاتحاد الأوروبي في التلويح بفرض عقوبات على الأندية المشاركة في البطولة الجديدة. ومع أن بعض العقوبات التي تم التلويح بها صعبة التطبيق مثل استبعاد اللاعبين المشاركين من المنافسات الدولية في كأس أمم أوروبا وكأس العالم، فإن المواقع المتخصصة تحدثت عن عقوبات أخرى أقرب إلى التنفيذ مثل الاستبعاد من البطولات المحلية.ونقلت شبكة “سكاي سبورتس” (Sky Sports) البريطانية عن الخبيرة القانونية كاتارينا بيغيتلوفيتش قولها: إن استبعاد الأندية من المنافسات المحلية ممكن وهو إجراء قانوني، لأن الفيفا واليويفا تنص لوائحهم وأنظمتهم الأساسية على فرض عقوبات على الفرق، إذا لم تحصل على موافقة أولية للمشاركة في مسابقة جديدة.
غموض اقتصادي
وأسهب مؤسسو البطولة الجديدة في سرد الأرقام والوعود الوردية لحجم الإيرادات المتوقعة ونصيب كل فريق من البطولة، وبدأت تلك الوعود بمنح 350 مليونا لكل فريق مؤسس، وحصول المتوّج باللقب على 800 مليون يورو، وهي أرقام كفيلة بالقضاء على ديون كثير من الفرق المشاركة ومساعدتها على التخلص من تداعيات جائحة كورونا.
غير أن المنظمين لم يقدموا أي تفاصيل عن مصادر تلك الأموال، والعقود المتوقعة مع الرعاة المحتملين وقيمتها، واكتفوا بإعلان اتفاق مع بنك أميركي لتقديم قرض بنحو 5 مليارات دولار في بداية المشروع.
وتزايدت الشكوك مع إعلان عدد من شركات البث الرقمي عدم اهتمامها بالحصول على حقوق بث المباريات، كما لم تبد أي شركة كبيرة استعدادها لخوض مغامرة البطولة الجديدة التي ترافق إعلانها بضجة وانتقادات كانت ستؤثر سلبا في أي شركة ارتبط اسمها بالبطولة.
الساسة يتدخلون
كانت الأندية الإنجليزية أول المنسحبين من دوري السوبر الانفصالي، وجاء ذلك بعد ضغوط سياسية كبيرة ظهرت عبر تصريحات من شخصيات مختلفة مثل الأمير هاري ورئيس الوزراء بوريس جونسون.
وقال جونسون: إن “دوري السوبر ليس في مصلحة الجماهير أو كرة القدم. كيف نسمح ببطولة مغلقة تمنع الأندية من التنافس مع بعضها بعضا واللعب مع بعضها بعضا؟ إذا لزم الأمر، ومن أجل حماية مبدأ المنافسة فإننا سنسعى إلى حل تشريعي، لمنع إقامة البطولة”. وذكرت مصادر إعلامية، أن السلطات البريطانية لوّحت بفرض قيود على الفرق المشاركة في دوري السوبر شملت التهديد بإلغاء تراخيص عمل كل اللاعبين الأجانب، وهو ما يشكل ضربة قوية لتلك الأندية.
ويعكس الاستنفار السياسي في بريطانيا مكانة الدوري الإنجليزي الممتاز ودوره كعلامة تجارية عالمية يمتد تأثيرها بعيدا عن عالم الرياضة ليشمل الاقتصاد والإعلام وقطاعات أخرى، ولذلك لن تكون السلطات مستعدة للتفريط في هذه المسابقة المصنفة الأفضل عالميا بسهولة لمصلحة بطولة أخرى منافسة.
أموال إضافية
وتحدثت صحيفة “موندو ديبورتيفو” (Mundo Deportivo) الإسبانية عن عرض الاتحاد الأوروبي لكرة القدم أموالا ضخمة للأندية الإنجليزية؛ من أجل إقناعها بالتخلي عن فكرة دوري السوبر.
ويتقاطع ذلك مع تقارير أخرى تحدثت عن استعداد اتحاد الكرة الأوروبي من أجل إعادة التفاوض على آليات توزيع المداخيل في دوري الأبطال، ومنح فرصة للأندية للحصول على أموال أكبر مقارنة بالفرق التي تكتفي عادة بلعب أدوار ثانوية في هذه المسابقة.
منطق القوة
وأخرج أزمة دوري السوبر إلى العلن ما كان يدور في الكواليس من صراع بين الأندية الكبرى والاتحادات القارية بشأن توزيع المداخيل المالية الضخمة التي تحققها تلك الاتحادات من تنظيم البطولات الكبرى.
وتدفع الأندية الكبرى بأنها الأحق بالنسبة الأكبر من تلك المداخيل لأن نجاح البطولات مرتبط بظهورها ومشاركة نجومها، في حين تسعى الاتحادات إلى كبح جماح أطماع الأندية بذريعة حفظ حقوق الطرف الأضعف والحفاظ على وجود الأندية الصغيرة والاتحادات المحلية البسيطة.
ويبدو أن الكفّة قد مالت في معركة دوري السوبر إلى جانب الاتحادات، لكن ذلك لن يعني نهاية الحرب التي قد تندلع مرة أخرى بأسماء وبطولات جديدة.