في عصر تفجر المعلومات وثورة المعلوماتية ، حيث تشعبت العلوم وتضاءل الإلمام بكل جوانب المعرفة .. وأمام تدفق التنبيهات والفيديوهات والمنشورات والرسائل عبر المواقع الالكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي ، نرى أن العالم الافتراضي قد هيأ للإنسان البدائل عن بعد ، واستحكم بسلوكه وبطريقة تصرفه مع العالم المادي المتخيل ، وجعله في شغف لتغيير كثيرٍ من عاداته التي نشأ عليها بأخرى قد لا تكون هي الأجدى.
يقال في الأمثال :” الله لا يقطع لنا عادة “، والدعاء هنا حتماً يشير إلى العادات الحسنة التي نتوق إلى تثبيتها ، حيث أنها نافعة ومفيدة للذي يمارسها وللآخرين من حوله. فمثلاً حين نتعود على ممارسة عادة الرياضة والمشي اليومي ولو لمدة نصف ساعة ، فإننا نقوم بتنمية شاملة ومتزنة للعضلات والقوام ونقلل من خطر الإصابة بأمراض القلب والجهاز التنفسي ، وحين نحافظ على لياقتنا البدنية ونكون في صحة وعافية فإننا نستطيع أن نخدم أنفسنا ومجتمعنا بشكل أفضل ونوقف هدر المال على العلاج والمشافي .
لا أحد يجادل في أن عادة القراءة والمطالعة هي التي تنشط الدماغ وتصون العقل ، وأن الاستماع إلى القرآن الكريم يهذب النفس ويزيل عنها أدرانها ، وأن الاستمتاع بصوت الموسيقى يحسن المزاج ويساعد على الاسترخاء ، وأن عادة الوقوف بانتظام في الطابور هي سمة حضارية ، لكن تجاوز الصفوف هو مظهر همجي يخلق الفوضى ويؤجج العنف ، وأن عادة النوم المبكر والاستيقاظ الباكر تصلح أنسجة الجسم وتشغل العقل بأقصى طاقته ، وأن عادة رمي بقايا الطعام في الحدائق العامة والطرقات تسمم البيئة وتشوه جمال المدينة، وأن عادة الغيبة والنميمة تنم عن إفلاس أخلاقي وتنشر الحقد والكراهية بين الناس، قال تعالى :”ولا تطع كل حلاف مهين، هماز مشّاء بنميم”، وأن عادة الإفراط في استخدام الهواتف الذكية يعرض الشخص إلى الخوف والقلق والرهاب من فقدانها “النوموفوبيا”، وإن عادة التدخين في الأماكن المغلقة وفي حضور المرضى وصغار السن هي انتهاك سافر لرئة هؤلاء المستضعفين. وأن عادة التسويف والتراخي في انجاز الأعمال ما هي إلا خلط للواجبات وفشل في إدارة الوقت والقدرات.
من الضروري جداً أن نتخلص من العادات الضالة والمضلة التي تسيء إلى سمعتنا وتعيق تقدمنا ونستبدلها بعادات صحيحة تزيد من فرص نجاحاتنا وتعكس مدى وعينا وأناقة ثقافتنا. يقول المولى عز وجل: “أَنَّ هذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ، وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ، ذلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ” .صدق الله العظيم.