أجحفت هند بنت النعمان كثيراً في حق زوجها الأول الحجاج بن يوسف الثقفي عندما أنشدت بقولها المشهور:
وما هند إلّا مهرةٌ عربيةٌ
سليلةُ أفراسٍ تحلّلها بغلُ
فإن ولدتْ فحلا فلله درّها
وإن ولدتْ بغلا فجاءَ به البغلُ
ولو كان كذلك لما قبلت به زوجاً من الأساس وهي المرأة الجميلة كما وُصِفَت، والشاعرة كما عُرِفَت، أحسن نساء زمانها خَلقًا وخُلقًا، وأدبًا ولطفًا وفصاحة، يتسابق على الزواج منها الرجال الأبطال الأفذاذ.ولاشك أن الطبيعة النسائية الانفعالية دفعتها لأن تقول هذه الأبيات القاسية في حالة غضب لموقف معين قد يحدث بين أي زوجين.
ومن يقرأ سيرة الحجاج يعرف أنه أبعد من أن يوصف بذلك فهو أشهر قادة بني أمية يتصف بقوة الشكيمة وصلابة العزيمة يقوم بما لم يقم به غيره. فهو الذي طوّع أهل العراق وأخضعهم وأعاد إليها الأمن والاستقرار بعد أن كانت بالغة الفوضى والاضطراب، صاحب الخطبة الشهيرة التي حفظها التاريخ وتناقلها المؤرخون ودونتها الكتب والتي جاء فيها (وأني لأرى الدماء بين العمائم واللحى وأرى رؤوساً قد أينعت وأني لصاحبها)
وبصرف النظر عن الجبروت أو الجانب المظلم في حياته فهو شخصية قوية ومؤثرة بليغاً فصيحاً، محباً للشعر كثير الاستشهاد به، وقد ورد بأنه كان مُعظماً للقرآن الكريم وآياته، كما وُصِف بالشجاعة والكرم، وله أمور عظام وأخبار مهولة.
فكيف بها لو عاشت مع بعض الأزواج في هذا الزمان ممن يقضي جل وقته في الاستراحات، ولا يدخل بيته إلا كالضيف، لا يعرف معنى العشرة ولا يحسن التعامل مع الزوجة ولا يتحمل المسؤولية. وماذا لو ارتبطت بزوج لا يؤدي واجباته نحو زوجته .. لا يكرمها ولا يعطيها حقوقها ولا يراعي ظروفها ولا يهتم بأمورها.
وماذا لو اقترنت بشخص شديد الأنانية لا يفكر إلا بنفسه ومصلحته فقط، طفولي الرغبات متواكل متردد أمام الجميع، ضعيف الشخصية وفاقد السيطرة على الأمور.
هنا ستعرف أن بغلها أسداً جنت عليه بوصفها القاسي، وستدرك ابنة النعمان تماما أنها أخطأت وأجحفت في حق الحجاج مهما بلغت درجة كراهيتها له.