عن الأخلاق دوّر، عن الذي لا يقبل الذّلّ ولا يجيد النفاق ، عن الذي يدافع عن الحق ويمقت الباطل ، عن الشهم النبيل وعن كريم الأصل والطباع ، فالإنسان من غير أخلاق لا يعوّل عليه ولا تستقيم معه الحياة ، فمن هو الذي سيأمن على رزقه وأهل بيته وينام قرير العين إن جاوره لص يتربص له ، أو مزعج لا يبالي بسكينة الليل ولا قيلولة النهار ، أو مهمل لا يكترث بالبيئة الصحية ولا بجمالية المنظر ،أو منفلت في سلوكه لا يتقيد بالآداب العامة ولا يقيم لسمعة المكان أدنى اعتبار. إنها الأخلاق يا ولدي ، والتي هي منظومة قيّم جالبة للخير وطاردة للشر، تحرك الأشخاص والشعوب نحو العدل والحرية والمساواة وتُعتَمدُ مع مرور الأيام لتصبح مرجعية ثقافية وسنداً قانونياً تستقي منها الدول الأنظمة والقوانين .لقد أحجم أبو سفيان أن يكذب على النبي صلى الله عليه وسلم حينما سنحت له الفرصة أن يطعن في عرضه كخصم لدود ، وقد أحجم عن ذلك حتى لا يؤُثر الناس عنه كذباً رغم أنه لم يؤمن بالله تعالى بعد .
لقد تفاخر الناس في الجاهلية بالصدق والأمانة والوفاء بالعهود والعقود والمروءة والفروسية ، وقد توارثوها كابراً عن كابر حتى صارت ثقافة تتناقلها الأجيال وتعتز بها المجتمعات . أما في وقتنا الراهن، فإننا نعاني من أزمة في الأخلاق واضطراب في العلاقات بين الأهل والأقارب ، بين المعلمين وطلابهم ، بين الأطباء والمرضى ، بين التجار والعملاء ، بين الموظفين والمراجعين ، ولعل من أكثر تلك الظواهر استفحالاً هي انتشار آفة الكذب بين الناس والتحايل على الوقائع باللف والدوران أو ما يسميه البعض ( شطارة ) ، من الغش في البيع والشراء واحتكار السلع ورفع الأسعار وتصريف البضائع المغشوشة والمنتجات الرديئة ، من تخلي الأب عن مسؤولياته ، من نشوز الأم وإهمالها لأفراد أسرتها ، من عقوق الابناء للآباء وهي لعمري انتكاس للفطرة وهدم لتربية الأحداث وانحراف لمسيرة الشباب .كم من طبيب تربح من آلام الناس وبالغ في أجره ، وكم من فاسد استغل منصبه الوظيفي فارتشى وسرق من المال العام ، وكم من خائن استقوى بالخارج بهدف النيل من أمن بلاده واستقراره ، وكم من قاتل استغل حاجة الناس وتاجر بأعضاء البشر ، وكم من مجرم استمال صغار السن والمراهقين وتسبب في إدمانهم للمخدرات، وكم من دجّال باع الوهم وضلل الآخرين ،فلنعد إلى القيم والمبادئ التي تهذب النفس وتطهر الروح ، وقطعاً حين نحترم القوانين ونستميت في تطبيقها .يقول المولى تعالى : ” قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا . وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا ” صدق الله العظيم.