كما هي عادته لوفائه مع زملائه ورفاق دربه، ومن عرف مواقفه وشغفه بركوب الصعاب، والتصدي لرياح الأهواء وإشكاليات الميدان، واختيار الرجال ممن يثق بهم، ويشاركون تحليل المواقف والبت في علاجها، إنه الرجل القيادي والشاعر الأديب، والرمز الوطني ومن أبرز صناع النجاح، وكيف كان يغرس لدى طلابه، ومن عمل تحت إدارته من القيادات التعليمية، ليوظف لدى هؤلاء من الطلاب والمعلمين ورجال الميدان التربوي، في رسائله وابتساماته الجاذبة، لتنمية حب الولاء لقيادات الوطن، وهو الذي لا يخلوا حديثه إبان زياراته الميدانية، أو لقاءاته بفريق العمل بإدارة اتسمت بأعلى معايير النجاح.
وليس ذلك من نافذة المجاملات أو الإطراء، فهو الرجل الفطن اللمَّاح، الذي لا ينطلي عليه مظاهر التَّصَنع، وإن حدث شيءٌ من هذا وذاك، في إشارة سريعة منه دون تجريح، أو نقد لاذع، يسعى جاهدا للوصول لأفضل الحلول، معتمدا على استشارة من هم إلى جانبه، ومساعديه كل من واقعه الوظيفي، وأبرزهم شيخ المشرفين وحكيم الميدان التربوي، الأستاذ القدوة راضي بن معلا الغنيم الجهني، ولا أغبط حق العديد ممن كانوا معه من رجالات التعليم، وتلك القامات الكبيرة بأفعالهم التي تسبق أقوالهم، ولم تكتف هذه الرموز بساعات الدوام الرسمي، وإنما يسابقون الزمن ليلا ونهارا، بآرائهم الفاعلة والتخطيط المنظم.
لأنّ قائد الركب الدكتور عبدالله بن محمد الزيد، مدير عام التعليم بالمنطقة الغربية الأسبق، هو من أوعز فيهم الثقة، وأعطاهم جُل الصلاحيات باعتبار الواحد فيهم رُبَّان السفينة، بشراعها الأبيض المتوَّج بالإخلاص والتميز، بما يفوق الإمكانيات وتواضع التقنيات في ذلك الزمن، ومع هذا كان هدفهم الارتقاء بالعمل التربوي، والإلمام بفنون الإدارة وصياغة أساليب التطوير ومفاهيم الجودة، بخاصية الجوانب الإنسانية لضمان المُنتج واستمرارية العطاء، في فترة اقتربت من العقدين من عمر الزمن، بدءًا من عام 1396هـ إلى أن ترجَّل من موقعه مرفوع الرأس، ليكمل الرسالة من جاء بعده من القيادات التعليمية بقدر ما قدموه من إضافات.
وفي زيارة لمكتبه في ساعة متأخرة لذلك النهار، لتوجيه دعوة لسعادته لتكريم أوائل الطلاب في المدرسة التي تشَّرفت بإدارتها، دخل ثلاثة من المعلمين من الأشقاء العرب في أحدى المدارس الأهلية، مَنَع مالك المدرسة تسليمهم رواتبهم، لفترة زمنية مؤثرة على حياتهم المعيشية، فمجرد تفهمه لتظلمهم وإذا به يستدعي رئيس قسم المتابعة، رجل المهمات الصعبة ، باتخاذ الإجراءات العاجلة، وتكليف وكيل المدرسة الإداري من قبل المالك،
فما كان من الأستاذ سعد الحارثي ليقول: للدكتور الزيد نحن في نهاية الدوام وغدا صباحا يتم إبلاغكم بتسليم المتضررين رواتبهم، وفي موقف مماثل يحمل أجمل معاني الإنسانية، اتصل بي الدكتور الزيد شخصيا، قبل بدء طابور الصباح قائلا: تأتيك امرأة أرملة قادمة من الطائف للعمل في جدة، معها يتيمين مؤكدا علىَّ بإنهاء إجراءات قبولهما فوراً.