بقلم- أنس عبد الحي
المدير ونائب الرئيس التنفيذي لدى برون كونسلت
إذا عدنا بالذاكرة إلى العام 2002 فلن يسعنا إلا التفكير بروبوت “رومبا” – المكنسة الكهربائية الروبوتية، وواحدة من أولى الآلات التي قامت بمهام البشر. ومنذ ذلك الحين، شهدت الروبوتات تطورات هائلة وحققت نموًا مستمرًا بسرعات لم نتخيلها قبل الآن. وبالنظر إلى الماضي، نجد أن فكرة سيطرة الروبوتات في أساطير الخيال العلمي ظهرت بالفعل في الأفلام والروايات، التي تصوّر لنا مستقبلًا يمكن فيه للروبوتات الحديث والسير والتفاعل وحتى الشعور! ومن المثير للاهتمام أن هذا وصف للعالم الذي نعيش فيه اليوم، فقد وصلنا إلى المستقبل الذي تغنى به الشعراء وتخيله الكتاب يومًا. ما مدى واقعية وصولنا إلى المستقبل؟ وهل تصف كلمة “المستقبل” التقدم أم النمو، في الوقت الذي تظهر فيه توقعات بروز المدن الذكية ضمن فترات زمنية قريبة؟
المستقبل هو الآن، فهو يحدث في كل يوم. وبالنسبة للبشرية، فقد أدت التكنولوجيا إلى تطورات ضخمة في أسلوب حياة البشر؛ لتغيرها بشكل جذري. أما بالنسبة للروبوتات، فقد أدى الذكاء الاصطناعي إلى تحويل كثير مما ورد في الأساطير والقصص الخيالية إلى تجارب واقعية وملموسة – فقد ظهرت الروبوتات من المختبرات التقنية لتتواجد في مقدمة قطاع الأعمال – ولم يعد علينا الانتظار ليتفاعل الجمهور بأعداد ضخمة مع الروبوتات، فهم يفعلون ذلك في كل يوم عند القيام بمهام بسيطة كالاتصال مع مصرفهم مثلًا. ففي دولة الإمارات، تستخدم مجموعة من البنوك الرائدة روبوتات الدردشة، ومنها بنك الإمارات دبي الوطني، الذي يستخدم الروبوت إيفا المبرمج للإجابة على الاستفسارات المتكررة من المتعاملين لتقليل العبء على الموظفين. وهذا بالطبع مجرد نبذة بسيطة للغاية عمّا يمكن للروبوتات عمله للعالم.
تكمل الروبوتات وتقنياتها أحجية القفزات التقنية التي شهدناها في الأعوام العشرين الماضية، والتي أدت جميعها إلى ارتقاء البشرية لمستويات غير مسبوقة واكتشاف أعماق المحيطات والوصول إلى مناطق غير مكتشفة في الفضاء وحتى تطوير المدن الذكية مثل نيوم – وهي منطقة يتم التخطيط لإقامتها في المملكة العربية السعودية ينتظر أن تضم أحدث التقنيات المذهلة. تستمد المدينة اسمها من كلمات تعني “المستقبل الجديد”،باللغتين العربية واللاتينية؛ لتعكس رؤيتها وخططها الأولية التصور الخيالي للمدينة الفاضلة، وتؤكد على نوع التغيير الذي تحدثه الروبوتات في حياتنا.
واليوم تعمل بروڤن أريبيا على تسويق الروبوتات التي تحاكي البشر، والتي قد تشغل عددًا من المواقع التي يشغلها البشر عادة. “بيبر” روبوت شبه بشري قادر على قراءة المشاعر البشرية والتصرف بناء عليها، ويمكن لمهاراته الاجتماعية المبرمجة أن تجعله قادرًا على التصرف في عدة مجالات تتنوع من ولائم العشاء وحتى مناطق الاستقبال في المستشفيات. وبهذا تكون الروبوتات قد دخلت مجال الضيافة، وهو مجال عمل يتطلب سنوات من الخبرة والمهارات المتخصصة من منظور البشر. ربما كانت لدى البعض تحفظات على الأمر قبل خمس سنوات، ولكن فرصة وجود روبوت مثل “بيبر” اليوم يمكن أن تعني تجربة رائعة للمتعاملين وتخفيضًا هائلًا في التكاليف على المدى الطويل – كالرواتب الشهرية والضمان الاجتماعي.
كما تدخل الروبوتات مجال التعليم من طريقين مختلفين للغاية. فالروبوتات البشرية بوسعها العمل كمساعد للمعلم لتستضيف الصفوف الدراسية وتدعم مشاركة الطلاب وتقدم مدخلات مثيرة للاهتمام مما قد يشكل مهمة متكررة من منظور بشري. على سبيل المثال، يمكن دمج الروبوت “ناو”، وهو روبوت بشري قابل للبرمجة، في أنشطة رواية القصص أو حصص التاريخ أو الجغرافيا، مما يضفي الإثارة على ويعزز المشاركة في الحصص الدراسية. ومن الأساليب الأخرى التي تشارك فيها الروبوتات في التعليم هي شمولها في المنهاج.
أيضا يستخدم قطاع الخدمات المالية، وهو قطاع سريع النمو تدعمه أحدث التقنيات المتطورة، تقنيات الروبوتات لتوفير قوى العمل الرقمية التي تعمل على تنسيق البيانات والتحقق منها وتقديم التقارير النهائية إلى أنظمة إدارة الوثائق. وتشمل الاستخدامات الأخرى أتمتة عمليات الروبوتات RPA لتسوية التداولات آليًا وتأكيد التوزيعات – وهي عملية تستهلك الكثير من الوقت كانت تجري يدويًا في السابق. كما نجد أتمتة عمليات الروبوتات في القطاع المالي لنقل البيانات التي تم التحقق منها إلى الأنظمة.
فمن الجليّ أن الروبوتات أصبحت جزءًا من حياتنا اليومية ، وأحدثت نقلة ضخمة في مختلف أنشطة الحياة التي تتنوع من الأنشطة البسيطة إلى المعقدة – ومن استخدام مكنسة كهربائية بسيطة إلى بناء مدينة ذكية متكاملة.