تـركي الفيصل
يصادف هذا اليوم المبارك، الثالث من شهر ربيع الآخر 1442هـ، الذكرى السادسة لبيعة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز – أطال الله عمره – ملكًا للمملكة العربية السعودية، وهي مناسبة عزيزة على قلب كل مواطن، ومسؤول في هذه البلاد، وعلى قلب كل عربي ومسلم غيور في أرجاء المعمورة لمكانة مملكتنا، وأهميتها القومية والدينية والدولية.
إن الاحتفاء بهذه المناسبة فرصة، ليس فقط لاستذكار واستعراض ما تم إنجازه خلال الستة أعوام الماضية من هذا العهد الميمون، وهي إنجازات نوعية وكمية غير مسبوقة، بل للتفكر بما تعنيه أيضاً في ترسيخ معنى الاستمرارية والاستقرار في نظامنا السياسي. فالبيعة بمعناها الديني والوطني هي بمثابة التفويض الشرعي والشعبي لمن يتولى أمر هذه البلاد المباركة، ويسوس شؤونها، وهذا التفويض هو أساس في استقرار واستدامة نظامنا السياسي؛ القائم على شرعية دينية راسخة، وبيعة مجتمعية ناجزة، وإنجازات ما فتئت تتحقق وتتراكم حفظاً لأمن واستقرار ووحدة هذه البلاد وتحقيق التنمية والازدهار في ربوعها. والبيعة، كما كان يراها المغفور له المؤسس الملك عبدالعزيز، ومن خلفه من أبنائه الملوك المتعاقبين، ليس فقط أساسًا من أسس الحكم، بل هي مسؤولية ثقيلة لتحقيق كل إنجاز يحقق أهداف رفعة شأن هذه البلاد وخدمة مواطنيها.
لقد جاءت بيعة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان، قبل ستة أعوام فاتحة لعهد جديد شكل نقلة نوعية في مسيرة بلادنا داخلياً وخارجياً، رغم كل الظروف التي تعيشها منطقتنا ومحيطنا والعالم من اضطراب وعدم يقين حول المستقبل. ومع ذلك، فإن هذا العهد الميمون اتخذ ما أسميه” استراتيجية صناعة المستقبل” شعاراً له لتواكب المملكة كافة التحولات العالمية في كافة المجالات وعلى كل الأصعدة، ولكي لا نتخلف عن ركب المسيرة العالمية، ولتكون المملكة في مصاف الدول المتقدمة.
إن رؤية المملكة 2030 يقوم على إنجازها، ولي العهد الأمين، صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان – حفظه الله – برعاية وتوجيه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان، الذي يدرك أهمية ولوج المستقبل بأدواته المناسبة، على أيدي رجال وأبناء هذا المستقبل. إن كل ما تم ويتم إنجازه في هذا العهد المبارك من تحولات وطنية هيكلية ، ومن إصلاحات جذرية في مجالات التشريع والإدارة والمال والاقتصاد والصناعة والتعليم والإعلام والمجتمع، هي تحولات مطلوبة وضرورية لصناعة هذا المستقبل، وتحقيق أهداف هذه الرؤية. وهذه الرؤية الملكية لا تستمد أهميتها من كونها تحدد أهدافا وطنية وتضع خارطة طريق لتحقيق هذه الأهداف مستقبلاً، بل من كونها مشروعاً وطنياً يتطلب تكامل جميع الاستراتيجيات والسياسات العامة، ومن كونها أسست وتؤسس لخطاب ثقافي وتنموي جديد يواكب الطموحات والتطلعات السامية لخادم الحرمين الشريفين.
لقد تحقق كثير من الإنجازات خلال الستة أعوام الماضية، من عهد خادم الحرمين الشريفين في كافة الميادين وعلى كافة المستويات. وإذ لا يسع المرء الإحاطة بكل هذه الإنجازات الملموسة، إلا أنه من المهم الإشارة أولاً إلى الإنجازات، التي أشار إليها خادم الحرمين بنفسه في خطابه مؤخراً في افتتاح الدورة الجديدة لمجلس الشورى، وهي إنجازات ملوسة للقاصي والداني. وقد ذكر، حفظه الله، أن من الإنجازات المرتبطة برؤية المملكة 2030 “تحسين الخدمات الحكومية، ورفع نسبة التملك في قطاع الإسكان وتطوير قطاعات الترفيه والرياضة والسياحة، واستقطاب العديد من الاستثمارات الأجنبية، إضافة إلى تمكين المرأة، وتفعيل دورها في المجتمع وسوق العمل، وإن العمل جار على تمكين المواطن، وإشراك القطاع الخاص بشكل أكبر، وزيادة فاعلية التنفيذ”.
وهنا لا يمكن إلا الإشادة بالجهود المبذولة والسياسات الموضوعة في هذا العهد لتنويع مصادر الدخل الوطني، الذي سيتحقق، بعون الله. إن كل هذه الإنجازات تمت، وتتم في ظل خطاب ملكي يدعو ويرسخ قيم الاعتدال والوسطية والتسامح وقيم العدل والقانون ومكافحة الفساد.
لقد واجهت المملكة في ظل قيادة خادم الحرمين الشريفين، وبناء على تأكيده الدائم على أهمية المحافظة على الأمن الصحي الوطني، تداعيات جائحة كورونا التي أصابت المملكة والعالم بكل ثقة، وببنية تحتية قوية وبسياسات دعم سخية لتخفيف الآثار الاقتصادية لهذه الجائحة، شملت إنفاق أكثر من 218 مليار ريال ، إضافة لدعم القطاع الصحي بمبلغ (47) مليار ريال. كل ذلك تم في خضم هذه التحولات الداخلية الكبرى، وفي خضم استعداداتها لتنظيم انعقاد قمة العشرين، التي ستنعقد في الرياض في السادس من شهر ربيع الآخر الجاري. وقد عملت المملكة من خلال ترؤس هذه الدورة الحالية لمجموعة العشرين على وضع موضوع مواجهة هذه الجائحة في مقدمة الأجندة العالمية لهذه المجموعة، كما وضعت المملكة حالة الدول الفقيره في أولويتها، وأقنعت الدول الأخرى للمجموعة لحذف وإرجاء ديونها عليها. ودعت المملكة لقمة افتراضية استثنائية، عقدت في شهر مارس الماضي.
إن ترؤس المملكة لمجموعة العشرين في دورتها الحالية والجهود التي قامت بها في ظل هذه الجائحة خير دليل على معنى القيادة، وحرصها على تثبيت ريادة المملكة ودورها في القضايا الدولية. لقد عملت كل الجهات المسؤولة الرسمية وغير الرسمية؛ كلٌ فيما يخصه، بهمة ونشاط، على عقد الفعاليات والمؤتمرات المالية والاقتصادية والصحية والثقافية والعلمية والتقنية خلال هذا العام المرتبطة بهذه الدورة.
لقد واجه خادم الحرمين الشريفين، منذ بيعته تهديدات الأمن الوطني المرتبطة باضطراب أوضاع منطقتنا ومحيطنا. وكان حازمًا في قراراته لمنع أي تهديد يمس أمننا الوطني. كانت مواجهة الحوثيين ومحاولة اختطافهم للدولة اليمنية، وتهديداتهم المستمرة للمملكة قرارًا ضروريًا، ولم يتوان في اتخاذه، ومع ذلك لم يسمح بأن تتحول حرب الحوثيين إلى حرب مع اليمن، بل احتضنت المملكة، الشرعية اليمنية وقدمت وتقدم كل أنواع الدعم والمساندة للحكومة الشرعية وقواتها، وللشعب اليمني بكل فئاته. وإذ ما زالت هذه الحرب مستمرة إلا أن خادم الحرمين الشريفين ما فتئ يدعو إلى السلام بين الأخوة اليمنيين لنتمكن معاً من الحفاظ على علاقة الشعبين الأخوية والحفاظ على الدولة اليمنية وأمنها واستقرارها، وبالتالي تحقيق أمننا الوطني.
وبالحزم نفسه، ظل موقفه، حفظه الله، ثابتًا وحازمًا من سياسات إيران التخريبية في المنطقة، وتوجهاتها الطائفية، وممارساتها، وتابعيهم الإرهابية، واعتداءاتهم على المملكة.
بالحكمة والتجربة، التي عُرف بها خادم الحرمين الشريفين، وعن يمينه ولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان، تبحر سفينتنا الوطنية في بحر هائج من التحولات برؤية واضحة حول ما نريد تحقيقه وطنياً، وما نسعى له في سبيل أمن واستقرار منطقتنا، وما نطمح له من ريادة عالمية في عالم يسوده الأمن والسلام. وبالله التوفيق.
