أعادتني ابنتي إلى مقاعد الدراسة، التي ابتعدتُ عنها لمدة تجاوزت عقدين من السنين، عندما طلبت مني المساعدة في صياغة موضوع إنشائي باللغة الإنجليزية، وقبل أن نبدأ في الفرض الجامعي عقدنا اتفاقية، ألا وهي أن أساعدها في صياغة الموضوع، وتقوم هي بدور الترجمة للغة الإنجليزية.. فإن كنت أجيد كتابة موضوعات التعبير أو الإنشاء كما أصبحوا يسمونه، إلا أنني لست ضليعة في هذه اللغة.
كانت المهمة جميلة جداً على الرغم من صعوبة الموضوع، فعندما سألت ابنتي عن العنوان، تفاجأت كثيراً بقولها:
مطلوب منّا يا ماما نكتب عن الزواج في المرحلة الجامعية..
وعندما رأت نظرة الاستهجان على ملامحي، أضافت:
همّ يبغونا نعبر عن رأينا في الموضوع .. هل نؤيد أم نرفض؟
طيب وأنت إيش رأيك..؟
( أجابت سريعاً ) طبعاً أرفض.. ليه ترفضي..؟
لأنه ما ينفع دراسة وزواج.. وبعدين ليش الاستعجال..!
لم أرغب في جدالها كثيراً، ربما لأنني اعتقدت أنها لازالت صغيرة في فهم الأمر برمته، أو ربما لأنني لم أتجرأ مثلها في اتخاذ القرار بالرفض أو القبول، على العموم.. شرعنا في الأمر؛ هي بالكتابة بعد الترجمة.. وأنا في تحليل القضية بصورة موضوعية منطقية، في قرارة نفسي لم أكن مدركة، إن كانت تلك المنطقية نابعة من إرادتي الحرة أم أنها نتيجة قرارها، فلو كانت لدي كل الحرية في التعبير عن رأيي عندما كنت في عمرها، ربما كنت أوافقها الرأي، إلا أنني مازلت أحمل في منظوري تلك الصورة الذهنية عن صمام الأمان الذي يصنعه الزواج للفتاة، وعن تلك الفرص التي ممكن أن تهدر إذا رفض العريس رقم ثلاثة، أو أربعة، فقد يتناقص المتقدمون، ويكون ذلك هو الأخير، ليظهر بعدها شبح العنوسة للفتيات في ليالي الوحدة، بعد أن نسجته أسئلة المتطفلين حول تقدم العمر، ومرور قطار الزواج، فيصبح الهاجس عند كل الأمهات؛ متى يصل ذلك القطار ومعه عريس الغفلة..! مهما كان مقدار الغفلة التي يحملها معه، المهم ظل راجل.. مؤكد أن ذاك الظل مهم، وحتى لا يعتقد البعض أني أدعو للتمرد على الزواج، إنما مهم أيضاً أن يتم اختيار ذلك الظل حسب نوعه ومقدار الحاجة إليه، وهذه الحاجة تختلف من أنثى لأخرى، فليس بالضرورة أنه يتوجب علينا الزواج جميعنا في مقتبل العمر، لعل البعض يحتاج لوقت أكثر في أن يتعرف على نفسه قبل أن يشرك طرفاً آخراً في مسيرة مقدارها المتبقي من عمره على هذا الكوكب، بضع سنوات أخرى لن تكون عائقاً لنصبح على استعداد في عيش حياة جديدة.. يجب أن ندرك ضرورة ترك مساحة ليست قليلة لطرفي العلاقة الزوجية في تحديد الوقت الملائم، كلٌ حسب تفهمه لمقدار التبعات المترتبة على اتخاذ قرار مهم ممكن أن ينتج عنه حياة زوجية سعيدة، أو عدد من الضحايا يتجاوز الشخصين..
للتواصل على تويتر وفيس بوك
eman yahya bajunaid