في إحدى السنين وانا منهمك في الاعداد لمؤتمر الخطوط السعودية السنوي ..حادثني هاتفيا معالي الكبتن احمد مطر .. مدير عام السعودية آنذاك .. وطلب مني ان اذهب الى مكتبه فورا .. وهناك كعادته .. رحمه الله .. استقبلني بحفاوة واحضان وقبلات وفاجأني بتهنئة حارة بترقيتي الى وظيفة مساعد المدير العام لخدمات التسويق وقال لي نتوقع منك الكثير في الارتقاء بالخدمات .. ولم اصدق ما أسمع ..! فقلت له هل معاليك يقصدني انا لحما ودما .. فضحك وقال نعم .. فقلت له بالامس كنت غاضبا مني ..
فقال لي لقد صفحت عنك .. وعن مشاغباتك المستمرة .. ولكن أعلم ان كل ماتفعله هو لصالح مؤسستنا وانتهي اللقاء بنفس الحفاوة والمشاعر الصادقة .. وعدت الى مكتبي وانا اطير فرحا لمفاجأة غير متوقعة ..
وذهبنا الى الطائف وكانت لي كلمة لافتتاح المؤتمر بصفتي رئيس الفريق المنظم للحدث .. وقلت في كلمتي لمدراء السعودية .. لقد خدعوك فقالوا اني مسؤول عن الخدمة .. وشرحت وجهة نظري .. وانقسم المجتمعون بين مؤيد ومستنكر .. وبعضهم صفق لي وأخرون همهموا وقالوا فيما بينهم كان الاجدر بك ان تكون شاكرا حامدا لهذا التكليف والتشريف .. وفي نهاية الكلمة تقدم معاليه الى المنصة وشد علي يدي وقال لي احسنت .. فعلا تحسين وتطوير خدمات السعودية ليست مسؤليتك وحدك بل هي واجب يقع على كل مسؤول في هذه المؤسسة ..
واليوم .. اقول لكل مدير لأية منظمة او منشأة اوشركة .. اقول له لا تخدع نفسك وتقول .. ان الاهتمام بالصحة العامة لموظفيك وسلامة المتعاملين مع منظمتك هو من مسؤليات الدولة ووزارة الصحة وحدهما.
لا بل اقول لك .. لقد اصبحت هذه المسؤليات من المهام الاصيلة لمنظمتك ومنشأتك كي تحافظ علي بقائك في السوق في زمن الكورونا وما بعده.
لقد تحولت وتطورت مسؤليات الشركات والمنظمات والمؤسسات واصبح لها دور محوري ومهم في الحفاظ على الصحة العامة من خلال الالتزام بالتشريعات والنظم والاجراءات التي تضعها الوزارات والهيئات الصحية المحلية والعالمية كي تتقيد بها المنشآت حماية لموظفيها والمتعاملين معها وكافة افراد المجتمع.
وفي ظل هذا الواقع الجديد .. تجد المنظمات والمنشآت نفسها امام حقائق ومسؤليات تتطلب تواجد اختصاصيين صحيين من ضمن كوادرها وهياكلها التنظيمية .. او انها تسند هذه المهمات الى جهات استشارية كي تقوم بالواجبات الصحية ومراقبة تطبيق الاجراءات بدقة ومحاسبة المقصرين .. بل تقدم الحماية الاستباقية للصحة العامة في المداخل واماكن العمل والمطارات والطائرات والسفن والمولات والاسواق والملاهي والمطاعم والفنادق ودور السينما والملاعب الخ .. وتنظيم الاجلاس واستعمال المصاعد والحمامات واستراحات العاملين .. والاشراف على طرق تغليف المشتروات وتعقيم الاسطح وسيور السلالم الكهربائية وتحديد اعداد الموظفين والعاملين والمتعاملين منعا للازدحام وتطبيق اجراءات التباعد الاجتماعي وتوفير ادوات الفحص والحماية الشخصية .. الخ.
وباختصار شديد .. ستتحول المنظمات والمنشآت الى مراكز للحماية الصحية من خلال المتابعة الالكترونية الرقمية التي تحمي البشر بعد الله.