جدة- البلاد
يعتبر حراس المرمى من بين أطول اللاعبين عمرًا داخل ميادين كرة القدم، وعادة ما يختار هؤلاء موعدا مميزا للانسحاب واعتزال اللعبة بعد التتويج بلقب أو المشاركة في بطولة كبرى، غير أن لهذه القاعدة استثناءات صنعتها أسماء يذكرها تاريخ اللعبة بإنجازاتها أو بقرارتها. “البلاد” تتذكر اليوم قصة الحارس الأرجنتيني الذي عانق المجد خلال عامين فقط، وطرق أبواب مانشستر يونايتد، وهزم مرضي الملاريا، والسرطان، ثم قرر الاختفاء عن الأنظار بشكل مفاجئ منزويا في مكان قصي انتظارا لنهاية العالم.
إنه حارس التانجو المتألق كارلوس أنخيل روا.. ولد عام 1969 بمدينة سانتا الأرجنتينية، تألق مبكرا مع نادي راسينغ المحلي وهو لم يتجاوز 19 عاما، وخاض مع هذا الفريق نحو 100 مباراة.
شهدت هذه المرحلة أول الأحداث الغريبة في حياة روا، فقد أصيب بداء الملاريا خلال رحلة مع فريقه إلى الكونغو لخوض مباريات ودية، لكنه تعافى سريعا وعاد للمشاركة في المباريات مجددا.
انتقل عام 1994 إلى أتلتيكو لانوس، وخاض معه ثلاثة مواسم، تنافس خلالها الفريق على المراكز الأولى في الدوري وتوج بالكأس القارية، وهو ما فتح له أبواب الاحتراف في أوروبا، عبر نادي مايوركا الإسباني الذي تعاقد معه عام 1997. في إسبانيا، شهدت مسيرة روا تحولا كبيرا، فقد ساهم في مساعدة الفريق على تحقيق نتائج تاريخية في الدوري بعد أعوام من التلاشي في ظلمة الدرجة الثانية. بلغ مايوركا نهائي كأس الملك وخسر أمام برشلونة، وفتحت أمامه أبواب المشاركة في كأس أوروبا للكؤوس، وهي النتائج التي أهلت روا للالتحاق بمنتخب الأرجنتين.
وصل إلى ذروة مسيرته خلال مشاركته مع منتخب “التانغو” في رحلة كأس العالم 1998، فقد احتفظ بنظافة شباكه خلال مواجهات الدور الأول الثلاث أمام كرواتيا وجامايكا واليابان، وتصدى لركلة جزاء حاسمة أمام إنجلترا في طريق العبور من الدور ثمن النهائي، ليكون بذلك أحد أبطال المنتخب المحتفى بهم رغم الخروج لاحقا من الدور ربع النهائي أمام هولندا بعد الخسارة 1-2.الموسم التالي، واصل روا تألقه وقاد مايوركا لاحتلال المركز الثالث في الدوري بعد الغريمين برشلونة وريال مدريد، كما بلغ مع الفريق نهائي كأس الكؤوس وخسره أمام لاتسيو الإيطالي.
وبمعدل هدف فقط كل 108 دقائق كان روا الأحق بجائزة زامورا لأفضل حارس في إسبانيا، كما اختير أفضل حارس في أوروبا ليخلف الإيطالي أنجيلو بيروتزي الذي حصل على الجائزة العامين السابقين، ويسبق الألماني أوليفر كان الذي حصل على الجائزة العامين اللاحقين، وهو ما يؤكد أن الحارس الأرجنتيني وصل إلى القمة بين عامي 1998 و1999، مما دفع مانشستر يونايتد لمحاولة التعاقد معه، من دون تكلل تلك الجهود بالنجاح.هنا جاء تحول آخر في مسيرة روا، فحين كان مايوركا يستعد لدخول تصفيات دوري أبطال أوروبا لموسم 1999-2000، اختفى الحارس الأرجنتيني عن الأنظار ولم يتمكن أحد من الوصول إليه. كان روا ضمن طائفة دينية تؤمن أن نهاية العالم ستحل مع بداية الألفية الجديدة، ولذلك اختار الاعتزال في منطقة بعيدة، وأوضح أن فكرته آنذاك هي الاستعداد لنهاية العالم في مكان سيوفر له كل احتياجاته.
عاد إلى الملاعب مرة أخرى لأن نهاية العالم لم تأت، واستأنف مسيرته مع مايوركا، وقال حينها: إن إيمانه لم يتغير، مؤكدا أن عزلته أعادت تنشيط شهية كرة القدم لديه، غير أن ذلك لم يكن كافيا لفتح أبواب المنتخب أمامه مرة أخرى. لم يتخل روا عن معتقداته، ولذلك استُـبعد من أغلب مباريات مايوركا.. رحل عام 2002 نحو ألباسيتي بحثا عن بعث مشواره ولم يتجاوز حينها 33 عاما، ونجح في قيادة الفريق للصعود نحو الدرجة الأولى، قبل أن يتلقى خلال موسمه الثاني معه خبرا صادما. فقد أصيب روا بسرطان الخصية، ليبدأ مرحلة وصفها بأنها “الأسوأ في حياته” ولم يصدق أن يصاب بهذا المرض وهو الذي حرص دائما على نمط حياة صحي واكتسب لقب “الخس” لأنه كان نباتيا في بلد ينافس فيه لحم البقر المياه على الموائد. مسيرة العلاج أجبرت الحارس المخضرم على العودة لبلاده، وبعد التعافي اختتم مسيرته في نادي أوليمبو الذي لعب له لموسم واحد قبل أن يقرر الانتقال إلى عالم التدريب.