نعيش ذكريات الزمن الجميل، كأهم مكتسبات نسيجنا الاجتماعي، وعلى سياق المثل العربي القائل: (ليالي العيد تبان من عصاريها)، فمن جماليات الأعياد ونظرة المجتمع، وهم يستقبلون تلك المناسبات في أبهى صورها، ومن الطبيعي أن المتغير الثقافي، سيد المكان والزمان، ولسكان جدة على وجه التحديد، خصوصية في أفراحهم، فكانت مراجيح العيدروس، هي أجمل ما تذهب إليه العائلات أيام العيد الثلاثة، ولكل منطقة ومحافظة ومدينة وقرية بالمملكة طابعها الخاص، للاستمتاع بالأجواء السعيدة للعيد، وبين جدة مدينة العشق والفن والجمال، وقريتي (ثول) مسقط رأسي توأمة فريدة من نوعها، و(ثول) تقترب في هذا العهد الزاهر من مكونات المدينة العصرية.
وفي العيد تنتابني كثير من الذكريات، حيث أقضي اليومين الأوليين من العيد، في قريتي بطابعها التراثي، وألعابها الشعبية، لأعود مُسرعا إلى مدينة جدة، لألحق باليوم الثالث من أيام العيد، مع الأصدقاء وزملاء الدراسة والعمل فيما بعد، أختلق الأعذار لإقناع والدي رحمه الله، ووالدتي شفاها الله، لأقضي أجمل الساعات بحيوية الشباب البريئة، وفي جدة تتعدد ألوان الأفراح، في كل حي من تلك الأحياء التاريخية، المؤسف أنها أصبح بعضها الآن في دائرة، ما يسمى بالأحياء العشوائية، ربما نسيها الزمن والتمدد الحضاري، في اتجاهاتها الأربع لأتساعها، بدءً من سبعينات القرن الميلادي الماضي، بشواهده التاريخية ورموزه الفكرية والأدبية.
تلك هي قصة الأمس لمدينة جدة ومعالمها التاريخية، مدينة لا تعرف الملل، وإنما فتحت ذراعيها تتوسد البحر غربا، وتمدد بكبريائها لبقية الاتجاهات، حيث الاتجاه شرقا لـ منتزه كيلو عشرة وحديقة الحيوان في طريق مكة القديم، والنغم الرائع لصوت الأرض طلال مداح، في فيلته الجميلة بإمكانيات ذلك الزمن، وهو يُدندن على أوتار عوده، لتسنح لي الفرصة بزيارته في منزله وإجراء حوار صحفي لـ مجلة التجارة، بتوقيع رئيس تحريرها، الأديب والشاعر الأنيق، الزميل الأستاذ عبدالله الخشرمي، ومدير تحريرها الأستاذ عمر إدريس رحمه الله، نشر اللقاء بالصور بعددها الصادر في عام 1987م.
وأتذكر اتصالات الأستاذ طلال مدّاح على الهاتف الثابت، بلكنة محلية حِذْقه، كما هي عادته قائلا: (لسَّه إحنا في الانتظار)، ورئيس التحرير يؤكد بأن يتضمن اللقاء حديث عن business، بحكم تخصص المجلة، أرجع لضيف المجلة ليقول: أنا فنان فقط وليس رجل أعمال، رحم الله الفنان الكبير طلال مدّاح، برقي الكلمة واللحن العذب الجميل، نسأل الله أن يعيد علينا أيام الأفراح، وبلادنا وقيادتنا ومجتمعنا السعودي، تنعم بالأمن والأمان والسلامة من كل داء وبلاء.
abumutazzz@gmail.com