في فصل تكسو الثلوج مشاعر المارة بقدومه، وتحيط بأحلامهم خيوط الفجر الحائرة وتتكاثر في أعماقهم غيمات الليالي الباردة، تبدو الوجوه وكأنها مرايا تعكس آلام النفس لترصد الواقع بعمق وتقرأ التفاصيل بصدق.
الشتاء ذلك الضيف الذي يحمل معه صوراً مختلفة تبوح بألوان الرومانسية للبعض حيث تغفو الأحاسيس على وسادة الدفء بشيء من الحنين والحنان، ولكنه يُجسد للبعض الآخر أزمات الماضي والحاضر والمستقبل، فهو قائد الصحة النفسية إلى أماكن في الوجدان تنتمي إلى خلايا الاضطراب والتوتر والأحزان، وتقع الذات في مأزق الاكتئاب الذي عرفه أحد علماء النفس بأنه “حالة من الحزن الشديد والمستمر الناتج عن ظروف محزنة وأليمة، وإن كان المريض لا يعي المصدر الحقيقي لحزنه”.
أي أن تلك الإصابة النفسية تعتمد في نظري بالدرجة الأولى على تبني ارتداء النظارة السوداء والرؤية من خلالها إلى كل ما يحيط بالإنسان.
فقد ذكر البروفيسور النفسي الدكتور احمد عكاشة في احدى مدوناته بأن الاكتئاب الشتوي ليس مرضا نادرا، فهو يحل ضيفا على 20% من البشر في العالم، حيث يرجع ذلك إلى قلة الضوء الذي يتعرض له الإنسان في فصل الشتاء بسبب التغيرات المناخية، وهذا النقص في كمية الضوء يؤدي إلى خلل في مستوى هرمون الميلاتونين الذي تفرزه الغدة الصنوبرية في الدماغ خلال فترة الليل والذي يلعب دورا مهما في تنظيم الساعة البيولوجية الداخلية للإنسان.
كما أكد الدكتور هاشم بحري أستاذ الطب النفسي بجامعة الأزهر “في فترة تغير الفصول تحدث للبعض مشاكل من هذا النوع والسبب تغيرات كيميائية تحدث في المخ ويعزوها البعض لتغير الطقس”، واشارت بعض الأبحاث الى أن السبب هو الجاذبية بين المجرات والكواكب التي تغير من اتجاهات وقدرات القطبين الشمالي والجنوبي اللذين يؤثران بدورهما في جذب المعادن الموجودة بجسم الإنسان فتنجذب لأحد هذه الأقطاب مما يحدث خللاً في التوازن بين السوائل والمعادن في الجسم هذا الخلل يؤدي لاضطرابات في كيمياء المخ فيحدث هذا النوع من الاكتئاب الذي نعتبره اكتئاباً ثنائي القطب. قطب خمول واكتئاب وهو يحدث مع دخول الشتاء”.
كانت هذه التفسيرات لبعض محترفي الغوص في محيطات النفس الإنسانية التي تبحث عن الاستقرار وتسمو بالعاطفة كمساند منطقي في التكيف مع الظروف!! ترى كيف هو تفسيرنا كأناس بسطاء لا نفقه من ذلك العلم سوى الإحساس الحقيقي بالألم النفسي الذي بات يؤرق مضاجعنا ويجرح عواطفنا ويخدش أجمل معاني ارتياحنا، فالدمع يرافق النعاس والشوق يستيقظ عند الوداع، وتتأمل النبضة ضياعها وسط آهات البكاء وقسوة الغربة وصقيع الفراق!!.