كنت قد تحدثت في مقالة سابقة عن دلالات درجة الدكتوراه والحرص على إنجازها وتأثير مسماها على نفوس الآخرين وقناعات المجتمع بأصحابها ومدى تأثيرهم في المجالات العلمية والعملية والاجتماعية. مستشهداً بعدد من الأسماء الكبيرة من الحاصلين عليها ممن أعطوا فأثروا وقدموا فأحسنوا وارتقوا فتواضعوا.
لا يهمهم ذكر اللقب العلمي ولم يحرصوا على تدبيجه قبل أسمائهم، لأنهم يعلمون بأن القيمة التي يكتسبها الفرد بالإنجاز والتميز وتقديم الفائدة للمجتمع، وأن الدرجة العلمية تمثل مفتاحاً للعلم ومرشداً لطريق المعرفة. فاستمروا في هذا المسلك وأضافوا للدرجة العلمية قيمة أخلاقية بجميل تواضعهم ورفيع تعاملهم.
وفي المقابل نجد آخرين حازوا على الدرجة العلمية بأشكال مختلفة فمنهم من حصل عليها بالطرق السليمة بجد ومثابرة لكنها- أي درجة الدكتوراه – كانت هدفاً في حد ذاتها وتوقف مستواهم العلمي عند هذا الحد، ولم يضيفوا بعدها شيئاً لدرجة أن مستوى بعض الأكاديميين لا يبتعد كثيرا عن مستوى طلابهم في الجامعات، وربما اشتغل بعض الطلاب بالبحث العلمي أفضل منهم !
وآخرين سلكوا مسالك غير مشروعة للحصول على الدرجة بالاعتماد على غيرهم في إعداد الرسائل العلمية التي نالوا بها الدكتوراه فتجدهم لا يعون محتواها ولا يفهمون أبعادها ولا يعرفون مراجعها، ومنهم من طرق أسهل الأبواب وأسوأها بشرائها دون حياء !! وكشفت مواقع الكترونية عن هذه النوعيات الذين يتباهون بحرف الدال دون استحقاق فعاشوا الوهم وانتفخوا بالكذب لإحساسهم الداخلي بالضعف الفكري وأن تلك الدرجة العلمية أكبر من أحجامهم الضئيلة.
فراحوا يعوضون ذلك بالتشبث بهذا اللقب وكأنه جزء من أسمائهم ! والدارس لعلم النفس يعي هذه الفئة التي تؤكد الجانب التعويضي للشيء المفقود. وفي قرارة أنفسهم يدركون مستواهم الحقيقي المتدني. حيث ينكشف واقع مستواهم المعرفي وزيف قدراتهم العلمية في أي منتدى علمي أو ثقافي، هذا إن شاركوا فيها، والشواهد كثيرة ولعل وسائل التواصل تكشف جانباً من حقيقتهم المليئة بالركاكة وضعف العبارة وكثرة الأخطاء وأصبح عالم السوشل ميديا كاشفاً للواقع شاهداً على تلك النماذج الرديئة التي ابتلي بها المجتمع.