الإقتصاد

ملتقى ميزانية 2026 يختتم أعماله باستعراض ملامح المرحلة المقبلة لمسارات التنمية وإستراتيجية الإنفاق الحكومي

البلاد (الرياض)
اختمت وزارة المالية، أعمال ملتقى ميزانية 2026م بمدينة الرياض، وسط حضور واسع من أصحاب السمو والمعالي وعدد من القيادات والمسؤولين والاقتصاديين والماليين، في مشهد يعكس أهمية الملتقى بصفته منصة وطنية تستعرض ملامح المرحلة المقبلة لمسارات التنمية وإستراتيجية الإنفاق الحكومي.
وعكست تصريحات الوزراء والمسؤولين المشاركين في جلسات الملتقى، توجهات الميزانية نحو تطوير الخدمات الأساسية وتعزيز المشاريع التي تمسّ حياة المواطن وترفع مستوى رفاهيته، إلى جانب التوسع في القطاعات عالية الأثر من البنية التحتية إلى جودة الحياة، في وقت تواصل فيه المملكة بناء اقتصاد قادر على مواجهة المتغيرات العالمية، والمحافظة على نمو متوازن ومستدام، مستندة إلى المرونة التي وفّرتها رؤية المملكة 2030 والدور الحيوي للسياسات المالية في دعم النمو الاقتصادي طويل المدى.
واستهل الملتقى أعماله بجلسة بعنوان “التنمية المستدامة في ميزانية 2026″، قدّم خلالها وزير المالية محمد بن عبدالله الجدعان، ووزير الاقتصاد والتخطيط فيصل بن فاضل الإبراهيم، رسائل محورية تعكس انتقال الميزانية من كونها “مجرد أرقام” إلى أداة إستراتيجية تُوجَّه بعناية لتعزيز النمو وتنويع الاقتصاد وحماية المكتسبات.
وأكّد الجدعان خلال حديثه أن السياسة المالية للمملكة تراعي طبيعة الاقتصاد الوطني، ومنذ إطلاق رؤية المملكة 2030، شكّلت المالية العامة ركيزة استقرارٍ أساسية، ومع ارتفاع مساهمة الأنشطة غير النفطية إلى 56%، تواصل المملكة تعزيز هذا المسار وزيادة معدلات نموها مستقبلًا، مشيرًا إلى أن كفاءة الإنفاق لا تعني بالضرورة خفض الإنفاق، وأن الثقافة المالية وكفاءة الإنفاق باتت ثقافة عامة يتحلى بها كل العاملين السعوديين.
من جهته أكّد وزير الاقتصاد والتخطيط فيصل بن فاضل الإبراهيم، أن ميزانية 2026 تركز على رفع كفاءة الإنفاق وتوجيهه نحو القطاعات التي تحقق قيمة اقتصادية واجتماعية أعلى، مؤكدًا أن رؤية المملكة 2030 خلقت بيئة تنافسية جذبت أكثر من 600 شركة عالمية، كما ارتفع التوطين الدوائي من 20% إلى 35%، والعسكري من 4% إلى أكثر من 20%، ما يعكس استجابة قوية للقطاع الخاص، منوهًا إلى نمو 74 قطاعًا في السنوات الخمس الماضية سنويًا بأكثر من 5%، منها 37 نشاطًا سجلت نسبة نمو بنحو 10% من أصل 81 نشاط في القطاع غير النفطي.
وأشار إلى أن صوت المملكة محوري في محادثات تطور الاقتصاد العالمي، ولها دور إستراتيجي في الاقتصاد العالمي، وهي من أكبر 12 دولة من حيث المساحة، وتسعى لتكون منصة لوجستية عالمية تربط قارات العالم، وهذا سيوجد فرصًا كبيرة في مشاريع واستثمارات البنية التحتية التي أصبحت من أكثر الأصول الاستثمارية نموًا على مستوى العالم.
وضمن أعمال الملتقى شهدت الجلسة الثانية مشاركة وزراء الصحة والتعليم والموارد البشرية والتنمية الاجتماعية، الذين أكدوا أن الإنسان يقف في قلب أولويات ميزانية 2026، حيث قال معالي وزير الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية المهندس أحمد الراجحي، أن منظومة الوزارة تشارك في 8 من برامج رؤية المملكة 2030 وتعمل على تحقيق (26) هدفًا إستراتيجيًا عبر أكثر من 100 مبادرة، وأن مشاركة المرأة في سوق العمل ارتفعت إلى 34%، بينما انخفضت بطالة السعوديين إلى 6.8%، مشيرًا إلى أن الوزارة عملت على إستراتيجية طموحة لسوق العمل في العام 2020م، تضمنت 28 مبادرة إصلاحية، وحاليًا تعمل على إستراتيجية أخرى لنكون من أفضل أسواق العمل على مستوى العالم.
فيما كشف وزير الصحة فهد الجلاجل عن زيادة مساهمة القطاع الصحي في الناتج المحلي الإجمالي إلى 5%، وانخفضت وفيات الأمراض المعدية بنسبة 50%، فيما بلغت التغطية الصحية 94.7% وهي من أعلى النسب عالميًا.
من جانبه، أوضح وزير التعليم يوسف البنيان أن ميزانية 2026 دعمت التعليم بـ202 مليار ريال، منها 30 مليار ريال خصصت للنفقات التشغيلية لمنظومة التعليم، وأن المملكة تستثمر في الإنسان، منوهًا إلى أن برنامج تنمية القدرات البشرية أحد برامج رؤية المملكة 2030 نقل التعليم من كونه قطاعًا خدميًا إلى قطاع مؤثر في التنمية والاقتصاد، وبكفاءة الانفاق سنصل إلى تحقيق أهدافنا في البرنامج، منوهًا إلى أن 66% من المبتعثين يدرسون في أفضل 50 جامعة عالمية، كما حصل 100 ألف موهوب على 335 جائزة محلية وإقليمية ودولية، وأن ميزانية 2026 ركزت في قطاع التعليم على المشاريع النوعية التي توفر بيئة تعليمية مميزة.
وجاءت ثالث جلسات الملتقى تحت عنوان “القطاعات الواعدة وفق مستهدفات الإنفاق الحكومي”، وركزت على القطاعات الواعدة وفي مقدمتها السياحة والرياضة، حيث أشارت صاحبة السمو الأميرة هيفاء بنت محمد بن سعود بن خالد نائب وزير السياحة، خلال مشاركتها، أن حجم الإنفاق السياحي بلغ 275 مليار ريال، مع تجاوز عدد السياح أكثر من 116 مليون سائح من الداخل والخارج، وأن نسبة السياح الأوروبيين ارتفعت هذا العام 14%، كما ارتفعت نسبة السياح من شرق آسيا والمحيط الهادي إلى 15%، فضلًا عن السائح المحلي، الذي يعد عنصرًا أساسًا في النمو المستدام للقطاع، وأن المملكة تستهدف الوصول إلى 150 مليون سائح في 2030.
كما أشار نائب وزير الرياضة بدر القاضي إلى أن 70% من الفعاليات الرياضية في المملكة تُدار بسواعد سعودية، مؤكدًا أهمية شراكة القطاع الخاص في تحقيق مستهدفات الإستراتيجية الوطنية للرياضة، مبينًا أن حجم سوق الرياضة بلغ 32 مليار ريال ومن المتوقع أن يصل إلى 80 مليار ريال في 2030.
وأعادت الجلسة الرابعة التأكيد على أن الإنفاق على البنية التحتية أصبح يشمل مفاهيم المدن الذكية والتنقل المتكامل واللوجستيات المتقدمة، حيث كشف معالي وزير البلديات والإسكان الأستاذ ماجد بن عبدالله الحقيل أن خدمات الإسكان استفاد منها أكثر من 1.2 مليون مستفيد حتى نهاية 2025، وجرى تمكين 50 ألف أسرة من تملك السكن عبر الإسكان التنموي، ودعم 16 ألف مستفيد غير قادر على السداد، بينما أشار معالي وزير النقل والخدمات اللوجستية المهندس صالح الجاسر إلى أن قطاع النقل والخدمات اللوجستية يسير بخطى ثابتة نحو مستهدف تحويل المملكة إلى مركز لوجستي عالمي.
كما شهدت أعمال ملتقى ميزانية 2026 استعراضًا لقصص النجاح لعدد من المشاريع الوطنية، في مقدمتها توطين الصناعات العسكرية، حيث استعرض معالي محافظ الهيئة العامة للصناعات العسكرية المهندس أحمد العوهلي، دور الميزانية في بناء منظومة صناعية وطنية قادرة على تلبية 40.7% من الاحتياج العسكري في عام 2024، بما يرسخ الأمن الصناعي ويعزز النمو الاقتصادي، فيما تحدث معالي نائب وزير الصناعة والثروة المعدنية لشؤون الصناعة المهندس خليل بن سلمة ضمن أعمال الملتقى عن قصة نجاح برنامج تنافسية القطاع الصناعي، مبينًا توجه القطاع نحو رفع قدرته الإنتاجية للوصول بمساهمته في الناتج المحلي إلى 1.4 تريليون ريال بحلول 2035.
وعلى مستوى الخدمات العدلية قدم نائب وزير العدل الدكتور نجم الزيد قصة التحول الرقمي في الخدمات العدلية، وكيف نقلت وزارة العدل الخدمات العدلية من نماذجها التقليدية إلى خدمات رقمية متقدمة، أسهمت في تقليل الزيارات وخفض الاعتماد على الورق وتسهيل الإجراءات للمستخدمين داخل المملكة وخارجها، فيما قدم رئيس الهيئة العامة للموانئ “موانئ” المهندس سليمان المزروع نموذجًا واضحًا لكيفية نقل البنية التحتية من كونها “خدمة تقليدية” إلى قطاع اقتصادي جاذب للاستثمارات، من خلال حديثه في قصة مشروع “موانئ السعودية.. شراكة وتمكين” عن زيادة الاستثمارات إلى أكثر من 30 مليار ريال منذ إطلاق الرؤية رفعت الطاقة الاستيعابية إلى 50% في الموانئ.
ويأتي ملتقى ميزانية 2026 امتدادًا لجهود وزارة المالية في ترسيخ الشفافية وتعزيز التواصل حول توجهات الميزانية العامة، وإبراز دورها في تمكين التنمية، ودعم القطاعات الواعدة، وتحفيز مشاركة القطاع الخاص، وتعزيز جودة الحياة، وترسيخ الميزانية بصفتها أداة رئيسة في البناء الاقتصادي ورفع جاهزية المملكة لمواجهة المتغيرات العالمية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *