مقالات الكتاب

فصلٌ جديد في الجغرافيا السياسية.. قراءة عميقة لزيارة ولي العهد لأمريكا

اتسمت زيارة صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان -حفظه الله- إلى الولايات المتحدة بلحظة سياسية ممتلئة بالتعقيد والتحول، ليس فقط علي المستوي الإقليمي، بل علي مستوى النظام الدولي بأسره، وقد بدت الزيارة الأخيرة، التي تكللت بالنجاح، الذي لاقي صدى واسعًا بجميع دول العالم، تتجاوز طابع البروتوكول الدبلوماسي المعتاد، فقد أصبحت حدثًا ذا دلالة سياسية عميقة يعيد رسم ملامح الدور السعودي في المنطقة والعالم، ويعكس بلا مواربة براعة الأمير الشاب، الذي استطاع أن يضع بلاده في قلب المشهد الجيوسياسي العالمي، فمنذ تولي ولي العهد زمام المبادرات الكبرى في المملكة، أثبت الأمير الشاب محمد بن سلمان قدرة لافتة علي إدارة الملفات الشائكة ببراغماتية محسوبة ورؤية إستراتيجية طويلة الأمد، وفي زيارته الأخيرة لواشنطن، بدا واضحًا أنه لا يتحرك من موقع الباحث عن اعتراف أو دعم، بل من موقع الشريك الذي يملك أوراق قوة حقيقية، فهو شريك يدرك حجم تأثير بلاده في معادلات الطاقة، والاستثمار، والتحالفات الأمنية التي تشكل العمود الفقري للعلاقات الدولية، فقد تم الإعلان عن رفع الاستثمارات السعودية في الولايات المتحدة من 600 مليار دولار إلى نحو 1 تريليون دولار، بينما تم توقيع اتفاقات دفاعية تتضمن شراء 48 مقاتلة من طراز إف-35 وحوالي 300 دبابة M1 Abrams، كما أُبرم ميثاقًا للتعاون في الطاقة النووية المدنية؛ بما يرسخ مكانة المملكة في قطاع الطاقة المتقدمة، ويعزز استقلالها الاقتصادي والتكنولوجي، أحد أبرز ملامح هذه الزيارة هو الرسالة الضمنية التي حملتها المملكة فهي ليست الدولة التي تنتظر إملاءات من القوى الكبرى، بل دولة تصوغ خياراتها وفق مصالحها الوطنية أولاً، وتدير تحالفاتها وفق ميزان الندية لا التبعية، وقد ظهر ذلك في لغة الخطابات، وفي الملفات التي تم التفاوض بشأنها، بدءًا من مستقبل الطاقة النظيفة، مرورًا بالاستثمارات التقنية، انتهاءً بملف الأمن الإقليمي، الذي لا يمكن لأي قوة عالمية تجاهله في حضور الرياض، لقد كشفت تلك الزيارة عن شخصية سياسية ناضجة، تجمع بين الجرأة في اتخاذ القرار والحنكة في قراءة التحولات الدولية، فالأمير الشاب يدرك جيدًا أن النظام العالمي يشهد إعادة تشكيل عميقة، وأن لحظة الانتقال هذه تحتاج إلي لاعب يمتلك القدرة علي المناورة، وحسن التوقيت، والدقة في بناء التحالفات التي تحافظ على توازن القوي، وقد بدا أن واشنطن نفسها تتعامل مع المملكة اليوم؛ بوصفها مركز ثقل لا يمكن تجاوزه، لا سيما في ظل المنافسة الدولية المحتدمة، من المهم الإشارة إلي أن الزيارة لم تكن مجرد محادثات سياسية، بل منصة أكد فيها الأمير محمد بن سلمان صورة جديدة للمملكة فهي دولة تتقدم بثقة، بتنوع اقتصادها، وتعيد صياغة مفهوم القوة الناعمة من خلال الانفتاح، والاستثمار، وصناعة المستقبل، وقد أثبتت الزيارة الأخيرة أن براعة الأمير محمد بن سلمان ليست نتاج حظ سياسي، بل ثمرة رؤية واعية تجعل من المملكة لاعبًا رئيسيًا في عالم يتغير. إنها براعة القائد الذي يعرف كيف يحول التحديات إلى فرص، ويجعل بلاده جزءًا فاعلًا في صياغة ملامح القرن الحادي والعشرين.

NevenAbbass@

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *