يشهد العالم موجة غلاء متصاعدة في أسعار المواد الغذائية دفعت بالمستهلكين إلى حافة القلق والإحباط؛ إذ باتت السلع الأساسية تُشترى بحذر، بعد أن كانت في متناول الجميع . ومع ضيق الحال وارتفاع التكاليف تغيّر سلوك المستهلك جذريًا؛ فبدأ يميل إلى الترشيد ويبحث عن البدائل الأرخص، ويتعامل مع التسوق كخطة طوارئ أكثر منه عادة يومية. ومع هذا التحول، انتشرت بشكل لافت محلات بيع المواد الاستهلاكية الاقتصادية أو المخفّضة، التي تقدم أسعارًا مغرية تجذب المستهلكين الباحثين عن التوفير. غير أن هذه المحلات- في كثير من الأحيان- تعاني من ضعف التنظيم وسوء النظافة؛ ما يثير شكوك الزبائن حول جودة السلع وصلاحية المواد المبردة التي تُعرض أحيانًا في ظروف لا تراعي معايير السلامة. وتتصاعد المخاوف من أن بعض هذه المنتجات قد تحمل مخاطر صحية، خاصة في ظل غياب الرقابة الصارمة أو ضعف تطبيق معايير التخزين والتبريد. وهكذا.. يجد المستهلك نفسه بين خيارين أحلاهما مرّ: دفع أسعار مرتفعة في المتاجر المنظمة والنظيفة، أو المخاطرة بشراء مواد أرخص ،لكنها مشكوك في سلامتها. أمام هذا الواقع، تتوسع دائرة الشك وفقدان الثقة- ليس فقط في الأسواق- بل في المنظومة الاقتصادية برمتها. فالمستهلك الذي أنهكته الأسعار يشعر بأنه مستهدف من جميع الجهات؛ من الشركات الكبرى التي ترفع الأسعار بحجة التكاليف، ومن المتاجر الرخيصة التي لا تضمن الجودة. ومع ذلك.. لم يفقد الناس قدرتهم على التكيّف؛ إذ لجأ كثيرون إلى حلول ذاتية؛ مثل الطهي المنزلي والزراعة على الشرفات واسطح المنازل، والانضمام إلى مجموعات شراء جماعية أو البحث عن المنتجات المحلية ذات المصدر المعروف. في المقابل.. تجد الشركات والحكومات نفسها أمام مسؤولية مضاعفة: الأولى، مطالبة بالتحلي بالشفافية وتقديم منتجات آمنة بأسعار معقولة وعادلة، والثانية مطالبة بتفعيل الرقابة الصحية لحماية المستهلكين من الاستغلال والمخاطر الخفية. فارتفاع الأسعار لم يعد مجرد قضية اقتصادية. بل أصبح قضية ثقة وصحة عامة. إن الغلاء اليوم يكشف عن عمق التحول في وعي المستهلك، الذي لم يعد يقيس القيمة بالسعر فقط، بل بالثقة والنظافة والشفافية. إنه زمن تتصارع فيه الحاجة مع الحذر، ويبحث فيه الناس عن معادلة تحفظ كرامتهم وأمانهم الغذائي في عالم تتغير موازينه بسرعة تفوق قدرتهم على التحمّل.
غلاء فاحش
