* سهام.. عيون الرجال المفترسة تطاردها، وهي تعبر شارع جامعة الدول العربية بوسط القاهرة، كما أن دخولها بسرعة فائقة للمقهى المطل على الشارع الصاخب لم يجعل نظر البعض يشيح عنها، فالهمسات تلاحقها، بينما ينفث معظم الجالسين دخان (الشيشة) ويلكون بتعليقاتهم الذكورية سيرة الصبية السورية الحسناء، وكأنها (تفاح نعناع)، أو جزء من خلطة أوراق التبغ المشتعلة على الفحم والماء، فـ(المعسل) وحده لا يكفي البعض لضبط إيقاع الدماغ، وخلق حالة من الحيوية في الجلسة ونوع من الحراك، وصفاء الأمزجة و(إكمال الكيف) قد لا يكتمل بـ(التوت الأزرق) وغيره من أنواع (الجراك).
* لهجتها الشامية التي طلبت بها من (النادل) فنجان قهوة (سكر مزبوط) و(شيشة) دفعتني لابتدار الحديث معها، فنصف متر فقط هي المسافة بين الطاولتين اللتين نجلس عليهما، وكانت ردودها الطاعمة لا تشبه المأساة التي تعيشها، فهي على يقين بأن ما يحدث للفتيات السوريات من (معاكسات) أمر متوقع في ظل مشاكل اللجوء والواقع المرير الذي تعيشه بلادهن، كما أن التكيف مع الأوضاع المستفزة بمختلف مسمياتها ضرورة قصوى، فإفرازات الحرب تجعلك في أحايين كثيرة لا ترى من هم حولك، ولا تشعر بملاحقة العيون و(القاسي يهون) ..!
* قصّت لي الشابة السورية (أمل) التي توفي والدها وشقيقها حكاوي يصعب تصديقها عما حدث لأسرتها بسبب الحرب، وقالت: إن الذهب الذي تمتلكه ووالدتها هو وحده كان صمام أمان لهما عند مغادرتهن لدمشق، ولولاه لوقفن يسألن الناس في الطرقات بحثًا عما يسد رمقهن، ولا تعلم كيف كان سيكون حالهن.
* ما كان يحدث للاجئيين السوريين في بعض الأماكن أمر لا يمكن وصفه. رأيتهم قبل سنوات مضت في معسكراتهم في إحدى الدول، طُفت على الغرف التي يحشرون فيها كعلب السردين، والفضاء المسموح لهم بالحركة فيه لا يتجاوز مساحة المعسكر، الذي تجد عند بواباته حراسة مشددة. أسر لا حصر لها بتلك المعسكرات تشكو سوء الحال، وكل ما تفعله أنها تأخذ المعونات وترقد على جمر الانتظار..!
* ما خرجت به من زياراتي الميدانية آنذاك عن طريق أحاديثي المباشرة مع (أهل الوجعة) داخل تلك المعسكرات، أن اللاجئين يريدون فرصاً للعمل لا منح يجمعها لهم الناس ويتعطفون بها عليهم، فما هكذا يعيش الكرماء، إنهم يريدون (حياة) لا (معتقلاً)، و(مجتمعاً) لا (معسكراً)، وما ينقصهم عمل به أسرهم تقتات، فالموت جوعاً أكرم من ركض صبيتهم للوقوف صفوفاً في انتظار المعونات .!
* لعنة الله على الحرب التي تفقد الشعوب الكريمة المأوى والملاذ، وتجعلهم مسلوبي الإرادة يتجولون بين الدول (لاجئيين بإمتياز).
* .. هذا الخاطرة الدامية كتبتها قبل حوالي ثماني سنوات، وتحديداً في الخامس عشر من أغسطس 2017م، وما كنا نخشاه على الأشقاء السوريين في مدن اللجوء بات يعيشه الآن أهلنا السودانيون بالكربون، ولعنة الله على الحرب، ومن أوقدها، ومن سعى لاستعار نيرانها في كل مكان، وكان الله في عون أهل مدينة الفاشر وشعب السودان.
نفس أخير
* ولنردد خلف جمال عبد الرحيم:
المناظر هي ذاتها.. الصور نفس المشاهد.. الشوارع والبيوت.. الأماكن والمقاعد!
haythamcapo77@gmail.com
