رغم ما وصلت إليه بلادنا من تطور تقني وإداري ورقمي يفترض أن يطوي صفحة الروتين إلى غير رجعة، إلا أن بعض الإدارات الحكومية- مع الأسف- تعاني من ممارسات بيروقراطية تُعيق انسيابية العمل، وتحدّ من فاعلية الأداء المؤسسي من خلال بعض موظفيها التقليديين. حيث نلاحظ صور الرتابة الإدارية والروتين القاتل في بعض المكاتب لعدم استيعاب الهدف الحقيقي من الوظيفة العامة، وعدم إدراك أولئك الموظفين لمسؤولياتهم تجاه ما أوكل إليهم من مهام، والذين يتعاملون مع قضايا المراجعين، وكأنها شأن ثانوي، أو تفضّل شخصي لا واجب وطني مكلفين به.
لا شك أن عدم الاهتمام بطلبات المراجعين- خاصة ما لا يحتمل التأخير- يُعد صورة من صور الإخلال بالمسؤولية؛ مهما كانت التبريرات؛ إذ يُفترض أن يكون الموظف العام شريكاً في خدمة المواطن لا عائقاً أمام إنجاز معاملاته. فالمؤسسات الحكومية ليست ملكاً لأفرادها؛ بل هي أدوات لخدمة المجتمع، وتحقيق المصلحة العامة، حيث إن كل تأخير أو تقصير يُحسب على المؤسسة بأكملها، ويقدم صورة سلبية عنها ويهزّ ثقة الناس بها.
حيث أولت دولتنا الرشيدة أهمية كبرى لتطوير الأداء الإداري عبر التحول الرقمي والحوكمة واستخدام التقنيات وتسريع الإجراءات. ومع ذلك ما زال البعض يتعامل بعقلية تقليدية لا تستوعب أبعاد التطوير ولا مقتضيات المرحلة؛ لتصوّرهم أن العمل مجرد حضور وانصراف ورتابة إدارية، لا التزام وإنتاج وإنجاز ومسؤولية. هذه النظرة الضيقة هي التي تصنع الفجوة بين السياسات الطموحة والنتائج الفعلية على أرض الواقع.
ونعلم أن أخطر ما في البيروقراطية، ليس في الإجراءات وحدها، بل في العقلية التي تبرر التأخير، وتستسهل الإهمال دون الاكتراث بمعالجة الأخطاء، وبذلك تضعف المخرجات وتفرغ الأنظمة من مضمونها؛ ما يخل بالثقة المؤسسية. ولهذا فإن الإصلاح الإداري لا يكتمل بتقنيات رقمية ولا بنظم متقدمة، ما لم يصاحبه وعي وظيفي عالٍ وثقافة أداء قائمة على المبادرة والمسؤولية.
فالكفاءة ليست خيارًا بل مطلبًا، كما أن خدمة المواطن ليست عبئاً بل شرفاً، والإنجاز الحقيقي هو ما يحقق الهدف ويخدم المصلحة العامة،
ونخلص إلى أن المسؤولية ليست منصباً ولا توقيعاً، بل أمانة تتطلب وعياً وحكمة وحسن تصرّف. وعندما يدرك كل موظف هذه الحقيقة تتجاوز الإدارات نمطية البيروقراطية إلى آفاق الفاعلية والتميّز، وهذا ما يتمناه الجميع.
البيروقراطية الإدارية..عائق أمام التطوير!
