مقالات الكتاب

الإسقاط

الإسقاط هو أحد أكثر الآليات النفسية، التي نمارسها دون وعي، حين ننسب للآخرين ما لا نريد الاعتراف به داخل أنفسنا. هو طريقة دفاع خفية يستخدمها العقل ليحمي صورة الذات من الانكسار، فنرى في الناس ما نخشى أن نراه فينا. من ينتقد الآخرين بأنهم متكبرون قد يخفي في أعماقه شعورًا بالنقص، ومن يتهم الناس بعدم الوفاء قد يكون هو من خذل نفسه أولًا.
تبدأ عملية الإسقاط حين يواجه الإنسان مشاعر لا يحتملها؛ كالغضب أو الغيرة أو الضعف، فيرفض الاعتراف بها في ذاته، فيُسقِطها على من حوله. بهذه الطريقة، يتخفف من ثقل الإحساس المؤلم، لكنه في الوقت نفسه يبتعد عن الحقيقة. فبدلًا من أن يرى نفسه بوضوح، يرى مرآة مشوشة من صنعه.
الإسقاط لا يحدث في العلاقات فقط، بل في كل مواقف الحياة. نراه في طريقة تقييمنا للناس، في أحكامنا السريعة، وحتى في فهمنا للأحداث. كل ما نحكم به على الآخرين قد يكون انعكاسًا لما نخاف مواجهته في داخلنا؛ لذلك.. الوعي بالإسقاط هو بداية النضج النفسي، لأنه يكشف لنا ما نجهله عن أنفسنا.
ولكي نتحرر من الإسقاط، علينا أن نتعلم التوقف لحظة قبل الحكم، وأن نسأل أنفسنا:” هل ما أراه في هذا الشخص يعكس شيئًا فيَّ؟” هذه المساءلة البسيطة قادرة على تحويل علاقاتنا، لأننا سنبدأ بفهم دوافعنا قبل أن نحاسب غيرنا. فالإسقاط يتلاشى حين يحلّ الصدق مع الذات.
كما أن الوعي بالإسقاط ليس اعترافًا بالضعف، بل شجاعة لفهم النفس. أن نرى ما في داخلنا بوضوح يعني أن نتحرر من إسقاطاتنا على الآخرين، وأن نبني علاقات تقوم على الفهم لا الدفاع. فكلما تصالح الإنسان مع ذاته، قلّ ما يُسقِطه على العالم من حوله.

fatimah_nahar@

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *