مقالات الكتاب

تتبع العثرات

في زوايا الحياة اليومية، هناك من لا يرى إلا الهفوات. يراقب الآخرين بعين متحفزة، تتبع العثرة قبل أن تلتقط الموقف، وتبحث عن الزلة قبل أن تلمح المعنى. يعيش هذا الإنسان في دائرة ضيقة لا تعرف التسامح، وكأن مهمته أن يُمسك الآخرين متلبسين بالنقص. لكنه لا يدرك أن من يُصوّب نظره نحو العيوب فقط، يفقد القدرة على رؤية الجمال، وأن تركيزه المستمر على الأخطاء يحوّله مع الوقت إلى مرآة تعكس القبح الذي يراه، لا الحقيقة كما هي.
إن تصيّد الأخطاء ليس وعياً، بل خوف متخفٍّ في هيئة حرص. هو محاولة لتثبيت الذات عبر التقليل من الآخرين، واحتياج داخلي للشعور بالتفوق في عالم يربكنا جميعًا. فالناقد الذي لا يرحم، لا يفعل ذلك بدافع الشجاعة، بل بدافع الضعف. هو لا يحتمل أن يرى في أحدهم ما يفتقده في نفسه، فيسعى لا شعورياً لتشويه الصورة حتى لا يشعر بالنقص.
الإنسان الحقيقي لا يبحث عن الزلات، بل عن النوايا خلفها. يدرك أن البشر يخطئون لأنهم بشر، وأن الخطأ أحيانًا ليس سوى درسٍ متخفٍّ بثوب تجربة. من يملك عين الرحمة يرى في السقوط محاولة للتعلّم، وفي الارتباك خطوة نحو النضج. أما من يقتات على أخطاء الآخرين، فلن يشبع مهما وجد، لأن ما يجوع إليه ليس الحقيقة، بل الإدانة.
الحياة لا تحتاج منا أن نكون كمن يحاكمون النوايا، بل قلوبًا تحتضن الاختلاف وتمنح فرصة ثانية. إن أجمل ما في الإنسان قدرته على الفهم، لا على الملاحقة. فالكلمة التي تُقال بلطف قد تُصلح ما لا يُصلحه العتاب، والنظرة التي تُخفي اللوم قد تزرع الطمأنينة في قلبٍ مثقل.
ويجب ألا يخفى علينا أننا جميعا معرضون للخطأ. وما نحتاجه حقًا هو أن نجد من يفهم ضعفنا دون أن يُشهّر به، ومن يرى داخلنا نورًا يستحق أن يُصان. فالتصيد لا يبني وعيًا، بل يهدم ثقة، والرحمة وحدها قادرة على أن تُعيد للإنسان إنسانيته

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *