في عمق المجتمع؛ حيث تتشابك العلاقات وتتعانق القيم، تتلألأ مكارم الأخلاق كنجوم الهداية التي تنير دروب الحياة، وتدل الإنسان على سبل الكمال والسمو. فهي جوهر الإنسانية وميزان الرقي الذي تُقاس به عظمة الأفراد والأمم.
وقد أحسن الإمام الشافعي- رحمه الله- بوصفه لها حين قال:
“إنّ المكارمَ أخلاقٌ مطهّرةٌ
فالدّينُ أوّلُها والعقلُ ثانيها
والعلمُ ثالثُها والحِلمُ رابعُها
والجودُ خامسُها والفضلُ سادِيها
والبِرُّ سابعُها والصبرُ ثامِنُها
والشكرُ تاسِعُها واللينُ باقيها.”
ولقد أدرك العرب منذ القدم أن مكارم الأخلاق هي تاج المروءة وعنوان النبل، فعدّوها عشراً من أسمى الصفات، التي ترفع قدر الإنسان وتمنحه المجد الحقيقي. وهي الصدق والوفاء والأمانة ومداراة الناس والمكافأة بالصنائع وإكرام الضيف وحسن الجوار وإغاثة الملهوف وإجارة المستجير والإقدام والذود عن المحارم.
فالصدق هو أصل الأخلاق ومفتاح الثقة وبه تُبنى جسور المودة بين الناس.
كما أن الوفاء بالعهد دليل أصالةٍ ونقاء في السريرة. تُقاس به الرجولة وتُعرف به النيات. أما الأمانة فهي تاج القيم، لا يحملها إلا من طهرت سريرته وصحا ضميره. والحقيقة أن مداراة الناس ومراعاة مشاعرهم سلوك راقٍ يجمع القلوب، ويظهر الحكمة ويعكس كمال العقل وحسن التقدير. ولا شك أن المكافأة بالصنائع ورد الجميل سموّ في النفس لا يعرفه إلا الكرماء النبلاء الذين يهتمون دائماً بتقديم العطاء. والمعروف لدى الجميع بأن إكرام الضيف وحسن الجوار وإغاثة الملهوف وإجارة المستجير، كلها صفات من شيم العرب الأوائل، وهي تجسّد الكرم والنجدة والنبل، وتغرس في النفوس معنى الإنسانية الصافية. أما الإقدام والذود عن المحارم، فهما عنوان الشجاعة وحصن الكرامة ودرع الدفاع عن الحق.
ومن جمع هذه الصفات كلها فقد تزيّن بوشاح الفضيلة، وبلغ ذروة المجد الإنساني.
وبهذا نعلم أن مكارم الأخلاق ليست مجرد منظومة ورقية من القيم والمبادئ، بل أسلوب حياة يترجم الإيمان إلى عمل والعلم إلى سلوك والنية الصادقة إلى أثرٍ طيب في الناس. فبها ترتقي الأمم وتُزهر المجتمعات.
ومن الجميل أن نجعل مكارم الأخلاق نبراساً لحياتنا، فهي الطريق إلى سعادة الدنيا ورفعة الآخرة.
مكارم الأخلاق.. جوهر الإنسانية المتألقة!
