مقالات الكتاب

رحلت من الدنيا ولم ترحل عن حياتنا

مروان علي محمد الرابغي

أحيانًا بل دائمًا هناك مواقف تعجز كل مفردات اللغة عن وصفها، ولكنك تستطيع أن ترى آثارها بكل وضوح على وجوه الناس، وهناك حقائق أكيدة ومتأصلة ومعترف من الجميع بها، ومع ذلك نحاول الهرب منها.
والموت بل موت الأحباء بل الحبيب الأول والأكبر والأقرب من الحقائق التي يقف العقل قبل القلب أمامها حائرًا، خاصة وهو مؤمن بأن هذا هو قدر الله وقضائه، وأنه أمر سيمر على كل البشر ودرب سيسلكه الجميع.
أكتب كل هذه المقدمة لأقول رحيلك يا أبي كان حدثًا جللًا ومصابًا عظيمًأ.، نعم كنت أعلم بأن الموت حق وأواسي بها نفسي عند النوائب ولكن بعد فقدك أيقنت أنه شيء فوق طاقتي على التحمل، لم يكن فقدانًا فقط بل صدعًا كبيرًا في سيرة حياتنا، لقد كنت كل شيء، فعلًا كل شيء، ليس لي ولا لأسرتي وعائلتي بل لكل من يعرفك ويقترب من بياض قلبك وسمو روحك وكرم سجاياك.
لقد تجاوزت يا والدي مرحلة الأب المثالي لتكون الرمز المثالي لمعنى أن تكون رحيمًا ومحبا ومسؤولا وصانع فرح.
نعم ليس لدي أخوان ولكن وجودك ملأ هذا الفراغ مبكرا فكنت الشقيق والصديق والرفيق، وعرفت معنى أن يكون اسمك رمزك حين أغشى أي محفل وأذكر اسمي فيبادر الجميع بالحفاوة والترحيب كوني ابنك، يحتفون بي لأنهم يحتفون بذكرك، وأدركت حينها أن السمعة الطيبة رأس المال الحقيقي لي ولنا.
رحلت يا أبي، ولكن ترحل من قلوبنا وقلوب من جبرت خواطرهم ومن حفظت صلة الرحم بهم ومن آنستهم في وحشتهم
رحلت يا أبي وليتك كنت معي وأنت ترى وتسمع سيل المكالمات التي تلقيتها بعد رحيلك ودهشت ايما إدهاش من كلام الناس فكلهم اجمعوا على جملة واحدة “نعزيك ونعزي أنفسنا في هذا الرجل فهو طيب القلب نقي السريرة”

رحلت يا أبي وليتك انتظرت قليلا فهناك عشرات الأسرار التي أود أن أبوح بها لك وعشرات الأمور التي أرغب أن أستشيرك فيها وعشرات الأمان التي أتمنى أن أرافقك في زيارتها.
رجلت يا أبي وتركت لي ولشقيقاتي وأحفادك أرث عظيم ألا وهو سيرتك العطرة وذكرك الطيب نم قرير العين يا والدي وهنيئا لك دعوات الناس بالرحمه والمغفره • “إنا لله وانا اليه راجعون”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *