مقالات الكتاب

اليوم الوطني السعودي.. حين يتحدث الوطن داخلنا

هناك أيام تمر كغيرها، تمضي في صخب العادي، فلا تترك فينا أثرًا يذكر، لكن هناك أيامًا تتوقف عندها الذاكرة وكأنها تريد أن تقول: تذكر من أين جئت، ولا تنسَ إلى أين تسير، اليوم الوطني السعودي هو واحد من تلك الأيام النادرة، التي تفرض حضورها في الروح قبل أن تضيء الشوارع بالأعلام، في هذا اليوم، لا نحتفل فقط بتاريخ تأسيس وطن، بل نحتفل بمعنى أعمق، بمعنى أن الإنسان قادر على أن يخلق من القسوة وحدة، ومن التشتت بيتًا كبيرًا، ومن الصحراء مستقبلًا. إن قصة الوطن لم تكتب بالحبر، بل كتبتها خطوات المؤسس، وصبر الرجال والنساء الذين آمنوا أن الانتماء أكبر من أي تعب، حين يطل الثالث والعشرون من سبتمبر، نشعر وكأن الوطن يتنفس فينا، نرى الأطفال يرفعون الأعلام بفرح بريء، والشباب يمتلئون فخرًا بأنهم أبناء هذه الأرض، وكبار السن يلمحون في الاحتفال صدى رحلتهم الطويلة، في تفاصيل بسيطة، يتجسد معنى الوطن، في الألوان، في الأناشيد، في العيون التي تلمع بالانتماء، لكن ما يجعل هذا اليوم مختلفًا حقًا هو أنه ليس مجرد فرحة عابرة، إنه مساحة للتأمل، مساحة نسأل فيها أنفسنا: هل نحن أوفياء بما يكفي لهذا البلد العظيم؟ هل نعيش بروح تضيف إلى ما بُني قبلنا؟ هل ندرك أن الوطن ليس مكانًا خارجيًا فقط، بل علاقة حية تسكن القلب وتوجه الخطوات، اليوم الوطني يذكرنا أن الوطن ليس تاريخًا انتهى، بل حاضرًا نعيشه ومستقبلًا نصنعه، إنه عهد غير مكتوب بيننا وبين أرضنا، أن نحميها، وننهض بها، ونمنحها من أرواحنا ما تستحق، في هذا العهد تكمن قيمة اليوم؛ أنه لا يكتفي باسترجاع الماضي، بل يوقظ فينا إرادة الاستمرار، في النهاية، يبقى اليوم الوطني لحظة صفاء نادرة، لحظة تلتقي فيها الذاكرة بالحلم، والاعتزاز بالمسؤولية، والأغاني بالسكينة الداخلية، إنه اليوم الذي يجعل كل سعودي يشعر أن الوطن ليس بعيدًا عنه، بل يسكنه، ينبض في قلبه، ويمنحه معنى أكبر للوجود.

NevenAbbass@

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *